فنجان قهوة بجانب قبر درويش
بقلم: أيهم السهلي
في متحف محمود درويش وضع دفتر كبير لكتابة
المذكرات للزائرين.. أذكر أني حين زرت المتحف منذ بضعة أشهر خلال زيارة لفلسطين استمرت
لأيام، كتبت لدرويش إننا في اليرموك نحيا لنعود.. وإني أحمله أمانة السلام على الشهداء،
وأن يقول لهم، سيصبح شعبنا على وطن. وإننا ما زلنا نريد هوية لئلا نصاب بالنسيان.
في المتحف مع الكاتب زياد خداش ابن مخيم الجلزون
والمقيم في أحد بيوت رام الله القديمة، ورام سلام النحات الشاب من مخيم اليرموك، وأسامة
دياب ابن الضفة، وصالح مشارقة الصحافي في جريدة «الحياة الجديدة» الفلسطينية، وأسماء
عزايزة الشاعرة الفلسطينية ومديرة المتحف. وحوار فلسطيني يدور حول فنجان قهوة صباحي،
بجوار قبر درويش..
مثل هذا الصباح أمام رخام محفور عليه العبارة
الدرويشية الشهيرة «أثر الفراشة لا يُرى.. أثر الفراشة لا يزول»، يوحي بالكتابة والتأمل.
التأمل بالتمام الفلسطينيي.. زياد الذي يضحك مغتبطا بالعائدين، والراكض على أدراج السماء
بحثا عن لحظة جنون جديدة ينسجها على مهل الفصول الأربعة. وصالح المتفحص لدقائق العبارات
بذهنه الصحافي اللامع واللاذع والمليء باللازورد. أسماء الباحثة عن قصيدة أخرى تضاف
إلى لغة المكان الصارخ بالشعر، والتي هي ذاتها إحدى قصائده. ورام بصمته العميق داخل
جوف الجدوى من الخروج والدخول نحو المجهول المستسلم للغة الفن. وأسامة المنتظر في الأصوات
لحن عوده، وصفاء النسيم ليرسم قصة هوسه بأغنية عاشقة للأرض. وأنا التائه بين منفاي
اللاختياري، ولغتي السابحة في القاعدين في الوطن، للدخول إلى ذاكرة المكان والسكن في
أنحائها البعيدة.
جميعنا كنا نستكين لذاكرة مضت، وذاكرة ستأتي،
منا من سيخرج من المكان مرغما عنه، ومنا من سيؤمن أكثر بكسر قبضة المستحيل..
غادرنا المتحف إلى بيت زياد، وهناك اصطحبت
ذاكرتي تسجيلا وثائقيا لإحدى القنوات الفضائية مع زياد في بيته، وبدأت أبحث في البيت
عما أعجبني في التسجيل، فجأة قلت لزياد ما أجمل أمك، تلك صورتها على الحائط، رأيتها
قبل أن أراها. ورأيت صور المبدعين الذين تحب، ومرة أخرى قطعت كلامي، وقلت له أمطرت
السماء خلال الفيديو فخرجت مندفعا لترقص تحت المطر..
في بيت زياد خداش معنى للغة، ومعنى لدرويش
الذي يتأمل زياد أغراضه كأنها حلم. ومعان للذاكرة التي تجد نفسها على أريكتين جالستين
في حديقة، يراقص فيها الخيال «زوربا». ويراقص فيها العدم الحضور بكامل شخوص الحكاية،
دون أن يقفل الستار حديثا لا يقفل عن الوحدة.
في بيت زياد كان لنا معنى.. لفلسطين.
للإنسان كان المعنى.
المصدر: الأخبار، 20-5-2013