في الحملة على
«أونروا»
رندة حيدر
تزايدت في
إسرائيل، أخيرا، الأصوات التي تطالب بإلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
(أونروا)، ضمن حملة تزامنت مع قرار الإدارة الأميركية تجميد ثلث المبلغ الذي تتبرع
به الولايات المتحدة للوكالة الأممية (135 مليون دولار)، خطوة عقابية منها
للفلسطينيين لرفضهم العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل.
ترى إسرائيل
أن الوقت الحالي فرصة مناسبة لمطالبة المجتمع الدولي بإلغاء "أونروا".
وهي تستغل تفاقم مشكلة اللاجئين بصورة عامة، وبلوغهم أرقاماً قياسية، وتدفقهم
بأعداد هائلة إلى أوروبا جرّاء الاضطرابات التي تجتاح دول الشرق الأوسط والاقتتال
الداخلي والضائقة الاقتصادية في دول العالم الثالث والقارة الأفريقية. كما تستغل
تراجع الاهتمام بالمشكلة الفلسطينية على المستويين، العربي والدولي، وبصورة أساسية
وجود إدارة أميركية مؤيدة لإسرائيل، من أجل العمل على تقويض حقوق اللاجئين الفلسطينيين
في العودة إلى وطنهم. ولتحقيق هذا الهدف، تطالب حالياً بتفكيك وكالة الغوث التي
لعبت دوراً أساسياً في معالجة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين (عددهم عندما بدأت عملها
سنة 1950 نحو 700 ألف، واليوم يتجاوز خمسة ملايين).
ليست خافيةً
النوايا المبيتة وراء الاتهامات التي توجهها إسرائيل إلى الوكالة الأممية، والشكوك
التي تطرحها بشأن مصداقية عمل الوكالة. فإسرائيل، أولاً وآخراً، تسعى وراء التخلص،
مرة واحدة وإلى الأبد، من حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتصفية موضوعهم، وحصر
مشكلتها مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تتهم إسرائيل
"أونروا" بأنها تسعى إلى تأبيد مشكلة اللاجئين، بدلاً من المساعدة في
حلها، وأنها تشكل "عقبة" في وجه السلام مع الفلسطينيين، بتشجيعها
وترويجها ثقافة اللجوء، ودفاعها عن
"إسرائيل
تسعى إلى التخلص من حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتصفية موضوعهم" حق
العودة لهؤلاء اللاجئين. كما تتهمها بتقديم صورة مغلوطة ومضخّمة عن واقع اللجوء
الفلسطيني اليوم، وتستخدم أموال المساعدات الدولية من أجل أغراض إرهابية. بناء على
هذا كله، لا يوجد اليوم أي مبرّر كي تبقى معالجة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين
محصورة بوكالة أونروا، ويمكن للمفوضية السامية للاجئين في الأمم المتحدة أن تتولى
ملف اللاجئين الفلسطينيين، كغيرهم من ملايين اللاجئين الآخرين.
تتخطى المسألة
قضية "أونروا" ودورها، وتستهدف إعادة تحديد مفهوم اللجوء الفلسطيني، كما
يرد في ميثاق هذه الوكالة الأممية الذي يقول "كل فلسطيني كان مكان إقامته
الطبيعي بين السنوات 1946 و1948 في فلسطين، وخسر منزله نتيجة الصراع بين إسرائيل
والدول العربية، هو لاجئ". ما يعني أن صفة لاجئ يمكن توارثها أباً عن جد،
ويمكن أن تنتقل إلى الجيلين، الثالث والرابع، للاجئين الفلسطينيين، طالما لم يجر
حل مشكلتهم، ولم تتحقق عودتهم إلى منازلهم.
الهدف الذي
تسعى إليه إسرائيل من خلال إعادة تعريف مفهوم لاجئ هو شطب جميع الفلسطينيين الذين
حصلوا على جنسيات البلاد التي استضافتهم، مثل الأردن وسورية، من سجلات اللاجئين
المسجلين لدى "أونروا"، والتشكيك بصحة هذه الأرقام. ولهذه الغاية،
استغلت إسرائيل الإحصاءات لأعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التي نشرتها لجنة
الحوار اللبناني الفلسطيني أخيرا، والتي أظهرت أن العدد الفعلي هو 175 ألف لاجئ،
وليس 459 ألف لاجئ بحسب الأرقام الرسمية لوكالة أونروا، للتشكيك في صدقية أعداد
"أونروا" بصورة عامة، وللتلميح بأن تضاؤل أعداد الفلسطينيين في لبنان
جرّاء الهجرة وعوامل أخرى يجعل المشكلة أقل تعقيداً مما كانت عليه سابقاً، ويمكن
حلها بتقديم الحكومة اللبنانية حقوقاً أكبر إلى هؤلاء وربما منحهم الجنسية، أو
بتشجيعهم إلى الهجرة إلى دول أخرى مستعدة لاستيعابهم.
تشكل عملية
الخداع والتضليل التي تقوم بها إسرائيل ضد "أونروا" حلقة من سلسلة
حلقات، تهدف ليس إلى القضاء على مفهوم اللجوء الفلسطيني، بل بصورة أساسية القضاء
على حقوق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه التي سلبها إياه اليهود، هذا الحق
الذي يعترف به المجتمع الدولي لا يمكن أن يزول أو يختفي أو يذوي، سواء أكان هذا
الفلسطيني لاجئاً من سكان المخيمات أو من أبناء الشتات الفلسطيني الموزعين في
العالم.
ربما لا تدرك
إسرائيل أن الشعور بالانتماء والهوية لدى الفلسطينيين لم يتغير ولم يضعف، على
الرغم الوهن الذي تعانيه حالياً القضية الفلسطينية، بل يزداد ترسخاً وقوة، ويتجلى
ذلك لدى الجيل الفلسطيني الشاب الذي يحمل هويته الوطنية عميقاً في نفسه، على الرغم
من مرور الزمن والمسافات التي تفصله عن وطنه فلسطين.
قد تكون
إسرائيل انتصرت على الفلسطينيين سنة 1948 وسلبتهم أرضهم، لكنها مهما فعلت لم ولن
تنجح في القضاء على الهوية الفلسطينية الوطنية.
المصدر: العربي الجديد