القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

في الذكرى الرابعة والستين للنكبة

في الذكرى الرابعة والستين للنكبة

بقلم: سمير جبور*

أيام معدودة تفصلنا عن ذكرى نكبة فلسطين الـ 64. ففي الخامس عشر من أيار من العام 1948 وقع الزلزال الكبير الذي لا نزال نعاني من ارتجاجاته حتى اليوم. لأننا جميعاً عرباً وفلسطينيين أضعنا وقتاً ثميناً ولم نفعل شيئاً للقضاء على تفاعلات النكبة.

وكان هذه الحقبة الزمنية الطويلة لم تكن كافية، ليس من أجل تحرير فلسطين التي اغتصبت بالقوة الغاشمة وحسب، بل ستة عقود ونيّف لم تكن كافية لوقف مسارها. وكأن النكبة الأصلية حدث عابر فقد زخمه في خضم الأحداث المتلاحقة على الساحتين الفلسطينية والعربية. فهذه الأحداث وما تلاها من المزيد من النكبات والنكسات والهزائم والمذابح بدلاً من أن تكون جرس الإنذار لما يتعرّض له الوطن العربي والوجود العربي بأسره من أخطار، كانت ولا تزال العوامل المساعدة على نسيان النكبة والالتهاء بنكبات جديدة.

والطامة الكبرى أن العرب لم يتعظوا مما حل بالشعب الفلسطيني رغم كل ما كتب عن عبر النكبة والدروس المستفادة منها، ابتداء بكتابي المؤرخ الكبير المرحوم قسطنطين زريق "معنى النكبة " و"النكبة مجدداً". وأيضاً كتاب المؤرّخ الفلسطيني الكبير عارف العارف "نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود". ونقل المؤرخ الفلسطيني المرموق الأستاذ وليد الخالدي (الذي له صولات وجولات في تاريخ النكبة) عن عارف العارف في مقدمة كتابه: "وكيف لا اسميّه النكبة؟ وقد نكبنا، نحن معاشر العرب عامة والفلسطينيين خاصة خلال هذه الحقبة من الزمن، بما لم ننكب بمثله منذ قرون وأحقاب: فسلبنا وطننا وطردنا من ديارنا، وفقدنا عدداً كبيراً من أبنائنا وأفلاذ أكبادنا. وأصبنا فوق هذا وذاك بكرامتنا في الصميم...".

وعلى الرغم مما كتب عن عبر النكبة إلا أ العرب أنظمة وحكاماً (وشعوباً مغلوبة على أمرها لم تمنح الفرصة للمشاركة في نضال الشعب الفلسطيني)، لم يتعظ العرب ولم يقرّوا بأن قضية فلسطين هي قضية العرب أجمعين، وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده. فمجرد قيام الكيان الصهيوني على ارض فلسطين والتكشير عن أنيابه التوسعية، أصاب الفلسطينيين في صميم وطنهم ووجودهم، وهو يستهدف العرب أجمعين في أرضهم ووجودهم وكيانهم وأمنهم وثرواتهم وقوميتهم ووحدتهم ونهضتهم. وبالتالي، فإن الشعب الفلسطيني ليس وحده الضحية. بل إن الشعوب العربية هي ضحية أخرى تدفع ثمن ارتهان حكامها للغرب الغاشم من اجل حماية "إسرائيل"، وفي الوقت نفسه السيطرة على ثرواتهم التي يذهب جزء كبير منها لتمويل مشاريع "إسرائيل" العدوانية. والشعوب العربية محرومة من الإفادة من هذه الثروات لتحسين أوضاعها المعيشية.

والعرب لم يكونوا بحاجة إلى أدلة على النوايا الصهيونية تجاههم. بل إن الحركة الصهيونية قدمت لهم الدليل الملموس في سنة 1967 عندما استهدفت ما تبقى من أرض فلسطينية واحتلت المزيد من الأراضي العربية. وحتى هذه النكسة النكبة لم يتمكن العرب من "محو آثارها"، ووقف المد الصهيوني وحسب، بل اظهروا المزيد من التخاذل والهوان وبذلك منحوا الكيان الصهيوني الفرصة للاستفراد بالفلسطينيين وببعض الدول العربية. وتوالت الكوارث في سنة 1979 بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد التي أدّت إلى اختزال الانتصار العربي الأوليّ في حرب أكتوبر سنة 1973 بمعاهدة ذليلة أدّت إلى إخراج مصر من دائرة الصراع والإخلال بتوازن القوى بين العرب و"إسرائيل".

وتبع ذلك اجتياح لبنان في سنة 1982 من قبل "إسرائيل" التي حاولت السيطرة على جنوب لبنان ومياهه وتضييق الطوق المضروب على كيانات سوريا الكبرى. وهنا لم يتخذ العرب عبرة من درس المقاومة التي أخرجت "إسرائيل" من جنوب لبنان لتطبيقها على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967..

والسهم القاتل الذي أصاب مصر في كامب ديفيد، وجّه بعد 14 عاماً إلى الشعب الفلسطيني بتوقيع ما سمي باتفاق أوسلو في 13/9/1993 بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير. ونهج أوسلو هذا كان بمثابة نكبة ثانية، ضربت النضال الفلسطيني في الصميم. فهذا الاتفاق الشرك كاد يقضي على المقاومة ضد الاحتلال وتسبب في الانقسام الفلسطيني الذي يكاد يصبح مزمناً، وقضى على كل فرصة أمام الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة وادخل النضال الفلسطيني في دوّامة لا يعرف كيف يخرج منها حتى الآن.

وتمادت "إسرائيل" في العدوان فقد حاولت "العودة" إلى لبنان في سنة 2006 لرد الاعتبار إلى مصداقية قدرتها الرادعة فخسرت المزيد من هذه المصداقية. وإعادة الكرة في الهجوم البربري على غزّة الذي استمر 22 يوماً (من 27/12/2008 وحتى 18/1/2009 ). وهذا الهجوم والحرب على لبنان قبل عامين منه حطّما أسطورة الحروب الخاطفة التي انتهجتها "إسرائيل" في السابق..

وفي الوقت الذي نحيي فيه ذكرى النكبة، احتفلت "إسرائيل" بما تسميه ذكرى "الاستقلال". فهذا استقلال زائف لأنه قائم على أساطير ملّها العالم مثل "شعب الله المختار" و"عودة اليهود من الدياسبورا إلى أرض الميعاد" إلى "أرض بلا شعب وشعب بلا أرض" و"اليهود ضحايا النازية" يجب أن يكون لهم "وطن" ولو على حساب شعب آخر لا ذنب له بما حل بهم في أوروبا. والصهيونية ماضية في تسويق هذا "الاستقلال" الأسطوري الذي أخذ يتحطم على صخرة صمود الشعب الفلسطيني.

كيف تبدو الصورة الآن في ظل أحياء ذكرى النكبة في عقدها السابع؟ الصورة الحالية في المدى المنظور قاتمة، ولا سيما أننا نشاهد مخاضاً عسيراً من التغيير في الوطن العربي في ضوء الانتفاضات الشعبية التي بشّرت بـ "ربيع عربي" استبشرت به الجماهير العربية. فعندما انطلقت الشرارة الأولى من تونس لاحت في الأفق نفحة من الأمل بان تتمخض هذه الانتفاضات عن قيام أنظمة عربية تعمل على توحيد كلمة العرب وتسترد مكانتهم التاريخية وتستغل مصادر ثرواتهم الطبيعية والبشرية من أجل التصدي للخطر الصهيوني وحماية الوجود العربي واسترداد الحق السليب.

بدلا من ذلك، تشهد الساحة العربية صراعات طائفية وحروبا دينية يغّذيها الغرب والحركة الصهيونية وبعض الأنظمة العربية المتواطئة معها، في محاولة لتفتيت العرب وتقسيم الدولة القومية العربية العلمانية إلى دويلات. ولكن الشعوب العربية، بأكثريتها الساحقة لن تسمح بتنفيذ هذا المخطط الرهيب. ومن المتوقع أن نشاهد المزيد من الصراعات الدموية. ولكن منطق التاريخ والجغرافيا سيقلب المعادلة في صالح شعوبنا العربية وهي قادرة بعد تجربتها الحالية على هزم المشاريع التقسيمية. ولا بد إلا أن ينقلب السحر على الساحر.

* كاتب فلسطيني مقيم في كندا

المصدر: صحيفة القدس العربي اللندنية