في ذكرى
انطلاقتها.. حماس تتعافى من ثورات الاستئصال
بقلم: حمزة
إسماعيل أبو شنب
في صيف 2013 وبعد أسابيع من
الانقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي، جمعني لقاء بنخبة سياسية على شاطئ
بحر غزة، اتفق معظمهم على أن حركة حماس باتت في أيامها الأخيرة، وأن نيران الحرب
على الإخوان المسلمين والثورات المضادة ستلتهمها.
وبعد عامين ونيِّف بات
واضحا أن حماس أكثر الفصائل الفلسطينية استقرارا، وقد بدأت تتعافى من آثار الثورات
المضادة، محققة علاقات إقليمية ودولية أوسع، في إطار تحقيق رؤيتها لتحرير فلسطين
عبر تكامل الدوائر الثلاث: الفلسطينية والعربية والإسلامية، وقد بنيت العلاقات
الإقليمية لحركة حماس مع كافة الأطراف على أساس المصالح المشتركة بينهما وبين تلك
الدول بشكل ثنائي، فحافظت على العلاقات القائمة مع بعض الدول ونزعت فتيل التوتر مع
أخرى ونسجت علاقات جديدة.
ترتيب الأوراق
الداخلية
قد تكون سيطرة حماس على
قطاع غزة سببا في التباين بينها وبين مكونات فصائلية ومجتمعية، إلا أن ذلك لم
يحجبها عن فتح آفاق جديدة مشتركة مرتبطة بالملف السياسي، فنجحت حماس عبر تعاونها
مع الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي في إفشال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني
بالصورة التي يريدها الرئيس عباس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وباتت هذه
الفصائل أقرب إلى جبهة مقاومة تتوافق على استخدام السلاح في مواجهة الاحتلال، على
الرغم مما تحمله من تناقض أيديولوجي بينها.
وساهم اشتعال انتفاضة القدس
وانغلاق الأفق السياسي في ارتفاع شعبية حماس وتبني خيار الانتفاضة عبر الضخ المالي
والإعلامي المكثف وتشكيل الخلايا العاملة على الأرض، وإن كان يسجل للانتفاضة
طابعها العملياتي الفردي إلا أن النصيب الأكبر من منفذيها من مؤيدي حماس.
الحضور المقاوم لحركة حماس
وبدء التعافي من الأزمة المالية في قطاع غزة، دفع أطرافا لتكثيف الاتصالات معها
وتقديم المبادرات المتعددة كمبادرة توني بلير التي أفشلتها حماس، مما حذا بمزيد من
الأطراف لرفع وتيرة الاتصال، فلا تتوقف الوفود من الدول الغربية عن زيارة قطاع غزة
والدوحة مقر إقامة رئيس المكتب السياسي لحماس، وربما تحمل الأيام القادمة مفاجآت
على صعيد حل الأزمة الإنسانية في القطاع.
بين إيران
والسعودية
لا تجد حماس حرجا في القول
إنها بحاجة إلى إيران، كما أن الأخيرة بحاجة إليها، فالحركة لم تجد بديلا عن طهران
يقدم لها الدعم المالي والعسكري، ويمكن القول إن التقارب الحمساوي والإيراني يزداد
مع ما يعيشه قطاع غزة من أجواء عزلة بفعل الإجراءات المصرية على الحدود وإغلاق
الأنفاق، وتصاعد انتفاضة القدس.
فاللقاءات التي تمت في
الآونة الأخيرة في لبنان تشي بنوع من الدفء، تخللها تبادل الرسائل على أكثر من
صعيد، ولم يُحل التباين داخل حماس دون تطوير العلاقات العسكرية بين طهران وكتائب
القسام عبر تقديم الدعم العسكري لها، وأضحت طهران أكثر قناعة بعدم جدوى تجاوز حماس
في دعمها للمقاومة، وبعدما فشلت في تحقيق قوة موازية إبان الفتور الإيراني
الحمساوي، ولم تدفع حماس ثمنا سياسيا مقابل إيجابية العلاقة معها، مما يجعل فرصة
نضوج العلاقة أمرا حتميا حين تكون حماس هي الورقة الرابحة في معادلة الصراع مع
العدو الإسرائيلي.
وعلى صعيد السعودية أحيت
حماس العلاقة مع المملكة، فتلاشت حالة الخصومة، وأوقفت السعودية الملاحقة الأمنية
لمؤيدي حماس، وأفرجت عن المعتقلين لديها.
ربما لم تكن هذه فقط
الغايات المنشودة لحماس لما تلعبه السعودية من دور هام في المنطقة، فاستثمرت حماس
التغيرات الحاصلة في السعودية في إخراجها من دائرة العداء.
تجنبت الحديث عن علاقة حماس
مع الدولتين التركية والقطرية، فمنذ أعوام لم تشهد هذه العلاقات أي تراجع بل إنها
تتطور، فكلا الدولتين لم تتخل عن تقديم الدعم السياسي والمالي الإنساني لتعزيز
صمود حماس، ولم تستجب قطر للضغوط الخارجية المطالبة بإخراج قادة حماس من الدوحة،
ووصلت إلى تقديم الدعم المالي لمشروعات إعادة الإعمار في قطاع غزة، كذلك فعلت
تركيا -وإن كان بنسبة أقل- على المستوى العلني، أما على الصعيد السري فما خفي يبقى
طي الكتمان وإن كان صداه يصل مسامع الجميع.
استدراكات
واجبة
لا تقتصر علاقات حماس على
دول بعينها في المنطقة، فتجمعها علاقات مع الكويت على الصعيد الرسمي والشعبي، كذلك
مع البحرين، وبقيت قنوات الاتصال مفتوحة معها، وتتمتع حماس بعلاقات رسمية وشعبية
واسعة جدا في دول المغرب العربي.
كما شكلت الزيارة المفاجئة
لقيادة حركة حماس لجنوب أفريقيا دفعة جديدة في نسج العلاقات الخارجية لحماس على
صعيد القارة الأفريقية، فلم تقتصر على المستوى الشعبي الممتد سابقا، بل امتدت إلى
المستوى الرسمي عبر تطور العلاقة مع الحزب الحاكم، واستكمالا للعلاقات الجيدة مع
السنغال ونيجيريا.
وقد حافظت على علاقتها
الجيدة مع الحزب الحاكم في كبرى الدول الإسلامية كإندونيسيا وماليزيا، كما توفر
لها حاضنة شعبية تمدها بالدعم.
لكن ما يؤخذ على حماس أن
علاقتها بدول الجوار لفلسطين غير جدية باستثناء لبنان بكافة مكوناته الرسمية
والسياسية، فرغم أنه لم تنقطع العلاقات بين مصر وحماس، حيث تبقى مصر ممرا إجباريا
لقطاع غزة، فإن الاتصالات تتم في الإطار الضيق مع توالي الأزمات بين الجانبين
كإغلاق معبر رفح لفترات طويلة واختطاف أربعة من أبناء حماس، واتهام مصر لحركة حماس
بإيواء عناصر مطلوبة لها.
وعلى الرغم من طرح العديد
من المبادرات عبر شخصيات فلسطينية، فإنها لم تنضج بعد، في ظل نفي الطرفين
الاتهامات المتبادلة، مع تصاعد خطورة الأوضاع في منطقة سيناء، كما يؤجج تباين
الرؤى بين الجيش المصري والمخابرات العامة الأزمة مع تنامي العلاقة الطردية لدى
الجيش (عداء تجاه حماس، وعلاقات استراتيجية مع إسرائيل)، لذلك لا يمكن الحديث عن
تحسن في المدى المنظور في العلاقات لكن دون قطيعة.
أما العلاقة مع الأردن
فتتأثر بمنظومة المتغيرات الإقليمية ومدى تأثير وتأثر حركة حماس بها خلال تولي
الإخوان المسلمين الحكم في مصر وانهيار الوضع في سوريا، انعكست العلاقة بالإيجاب
مع حركة حماس، حتى كادت أن تعيد فتح مكتب لها في الأردن، إلا أن تغير الموازين
بالانقلاب العسكري والثورات المضادة أوقف كل تقارب مع الأردن، مما ساهم في تحييد
جبهة الأردن كخط داعم ومساند للمقاومة في الضفة الغربية.
ومن المهم إعادة التفكير في
تفعيل جبهة مقاومة عبر الحدود مع الأردن، واستثمار المخزون البشري في دعم خياراتها
العسكرية في طرد الاحتلال، مع تنامي العلاقات الإسرائيلية الأردنية على الصعيد
الأمني، كما قد يلعب الأردن دورا وظيفيا في الضفة الغربية إذا انهارت السلطة
الفلسطينية، وما ينطبق على الواقع الأردني يصلح للتطبيق على الساحة السورية في ظل
تفكك النظام وانتشار المجموعات المسلحة المعارضة له، مما يوفر أرضية خصبة لعمل
يحيي قضية اللاجئين الفلسطينيين.
كما لم تول حماس أهمية
للإشارات الواردة من دول أميركا اللاتينية والعديد من الدول المتعاطفة مع الحق
الفلسطيني، فلم تبذل جهدا يحقق اختراقات نوعية على الرغم من المحاولات المتواضعة
في شرق آسيا كالصين وتبادل الرسائل مع البرازيل.
وزر لم ترتكبه
حماس
إن الناظر لتجربة حماس
بصورة نقدية بعد مرور 28 عاما على تأسيسها، يرقب المنعطفات التي مرت بالعلاقات
الإقليمية لحركة حماس، فثمة فئة تحمِّلها بعض الإخفاقات في المحافظة على علاقاتها
مع الدول.
ويذكرون في هذا الصدد
الخروج من سوريا وتوتر العلاقة مع طهران وتأزمها مع مصر، للتأكيد على ارتباك إدارة
حماس في علاقاتها الإقليمية، لكن الخطأ الذي وقعت فيه النخبة الناقدة أن تلك
الأطراف هي التي ناوأت حماس، فمغادرة دمشق جاءت نتيجة تبدل المواقف وظهور خلافات
كبيرة في الرؤى، ولطالما وقفت حماس على مسافات متساوية بين جميع الفرقاء داخل تلك
الدول إلا أن النظام السوري طالب قيادة حماس بموقف علني يدعّم النظام ضد الثورة،
الأمر الذي رفضته قيادة حماس وهي تدرك تبعات ذلك على وجودها وإقامتها في دمشق
وعلاقتها مع طهران، وبالتالي حزب الله الذي لعب دور الشريك المصيري مع النظام ضد
الثورة.
العداء المصري تجاه حماس
ليس نابعا من مواقف حماس السياسية، إنما منطلقا من حالة استئصال الإخوان المسلمين
والداعمين لهم من المنطقة العربية، فلم تسلم قطر ولا تركيا من ضغوط الحلف المصري
في ذلك الوقت، فكيف نحمل حماس وزرا لم ترتكبه؟
ويكفي النظر هنا لحال
الرئيس عباس الذي دعّم السيسي ووفر له الغطاء السياسي لحصار غزة، ومع ذلك لم ينعم
بعلاقات جيدة مع مصر نتيجة رغبتها في التدخل في شؤون فتح الداخلية عبر فرض
المصالحة بين عباس ودحلان.
حماس وهي على أعتاب نهاية
عقدها الثالث، لم تغير من مبادئها السياسية رغم الفاتورة العالية للتضحية، قد
نختلف معها في العديد من طرق الإدارة السياسية، لكن المراقب للمشهد الفلسطيني يدرك
أنها المؤهلة لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني، بكل ما تملكه من ليونة واستيعاب
لكافة المكونات السياسية.
المصدر: الجزيرة نت