في ذكرى مجزرة دير ياسين
بقلم: د. فوزي علي السمهوري
شاءت الأقدار أن يتعرض الشعب الفلسطيني إلى سلسلة
من المجازر منذ النصف الاول من القرن العشرين وحتى الآن.
ففي التاسع من نيسان عام 1948 امتدت يد الغدر
والإرهاب يد العصابات الصهيونية لارتكاب مجزرة في دير ياسين، طالت المدنيين العزّل
بهدف دب الرعب في قلوب وعقول الشعب الفلسطيني؛ لإرغامهم على مغادرة منازلهم وقراهم
ومدنهم الفلسطينية، وذلك لاستكمال المؤامرة الاستعمارية بإقامة الكيان الصهيوني على
الأرض الفلسطينية «وعلى أنقاض الشعب الفلسطيني»، وما كانت هذه المجازر المتعددة ليكتب
لها النجاح لولا الدعم العسكري والسياسي والمعنوي من رائدة الاستعمار بريطانيا وحلفائها.
إن هذه الجرائم الصهيونية بل المجازر ما هي
إلا صورة حيّة واقعية للسياسة الصهيونية القائمة على ممارسة الإرهاب في ظل الدعم المباشر
وغير المباشر من القوى الكبرى، التي خططت لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، لما
شكله من موقع استراتيجي يمثل مكانة القلب للوطن العربي، ولتكون اليد الضاربة لأي قطر
عربي يتمرد على أوامر وتعليمات القوى الاستعمارية، بعد أن نجحت في تقسيم الوطن العربي
إلى دويلات متناحرة وفقا لاتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو.
ولم تكتف العصابات الصهيونية بارتكاب المجازر
وأعمال القتل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح، بل عمدت مدعومة من رائدة الاستعمار
بريطانيا إلى طرد الشعب الفلسطيني خارج وطنه؛ ليعيش حياة اللجوء والمنافي في ظل أوضاع
لا إنسانية في محاولة لتركيعه والنيل من إرادته وصموده، بل والنيل من الايمان الراسخ
بحقه في وطنه فلسطين، وبحقه النضال من أجل تحرير الارض المغتصبة والعودة إلى أرض الآباء
والأجداد.
ولكن المخطط الصهيوني فشل فشلاً ذريعاً في
النيل من إرادة الشعب الفلسطيني بالرغم من تواطؤ عدد من الأنظمة لمنع قيام الشعب الفلسطيني
بواجبه، والنضال من أجل تحرير وطنه وإقامة دولته المستقلة، فهب الشعب الفلسطيني بقيادة
رائدة الثورة الفلسطينية حركة فتح في الأول من كانون الثاني لعام 1965 معلنة انطلاقة
الثورة الفلسطينية، بالرغم من كافة اشكال اغلاق الحدود أمام ثوارها.
ومما شجع دولة الاحتلال استمرار احتلالها لفلسطين
ليس الدعم الدولي فحسب؛ بل التخاذل الرسمي العربي والفرقة والشرذمة التي اتسمت بها
الانظمة العربية، مما أدى إلى غياب الارادة للاعداد، لامتلاك عناصر القوة لاجهاض المخطط
الصهيوني وما نتج عن احتلال لمباني فلسطين وللجولان وسيناء، إثر هزيمة حزيران عام
1967.
تلك الهزيمة التي رفضها الشعب الفلسطيني فالتف
حول ثورته، مما فاقم من حجم المؤامرات الإقليمية والدولية التي استهدفت القضاء على
ثورة الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي، وبلغت المؤامرة والاستهداف استخدام القوة
العسكرية واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وفرض العقوبات الجماعية، والقيام بسلسلة
من الاغتيالات لرموز من قيادات الثورة الفلسطينية. ففي العاشر من نيسان عام 1973 قامت
قوات الإرهاب الإسرائيلية بعملية الفردان التي أسفرت عن اغتيال ثلاثة من القادة وهم
الشهداء كمال ناصر وكمال العدوان وأبو يوسف النجار، على أرض لبنان غير آبهة بميثاق
الأمم المتحدة، بل وبدعم من القوى النافذة في مجلس الأمن بقيادة أمريكا.
إن مجزرة دير ياسين ما هي إلا مثال واحد لسلسة
المجازر التي ارتكبت؛ من مجزرة مسجد دهمش في اللد إلى مجزرة كفر قاسم، إلى مجزرة مخيم
جنين إلى مجزرة قطاع غزة عام 2008/2009، إلى استمرار فرض الحصار الجماعي والتي تشكل
وفقاً للشرعة الدولية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وإذ تمر هذه الذكرى الحزينة هذه الأيام التي
تشهد القضية الفلسطينية مؤامرة دولية لتصفية القضية وتمكين «اسرائيل» من إبقاء احتلالها
وسيطرتها على المدن الفلسطينية، في ظل انقسام سياسي وجغرافي بين أراضي السلطة الفلسطينية
في الضفة الغربية من نهر الأردن وقطاع غزة.
فالمطلوب من قادة الشعب الفلسطيني وخاصة فتح
وحماس العمل المخلص والجاد لإنهاء الانقسام، والتوافق على برنامج الحد الأردني الوطني
الهادف لإنهاء الاحتلال للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 «وهذا أضعف الإيمان»،
وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، دون التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين
بالعودة إلى وطنهم وأراضيهم التي طردوا منها عام 1948، وعلى الجميع أن يتذكر بأن التاريخ
لن يرحم..؟!
المصدر: السبيل، 09-4-2013