في معركة "أونروا"
معن البياري
تحاول أن تقع على "السياسة"
في أداء الإدارة الأميركية الراهنة، في أيّ شأنٍ وموضوع، فلا تجد سوى الزعرنة،
وهذه ليست مفردةً سوقيةً هنا، كما أنها ليست شتيمةً للإدارة المتحدّث عنها هنا،
وإنما هي صفةٌ فحسب، ولا تحمل مفردةٌ بديلةٌ مضمونا يشتمل على الوصف الأدقّ لما
يزاوله دونالد ترامب وفريقُه. ومن ملفاتٍ وفيرةٍ، يتزعرن فيها هؤلاء، الحملة
النشطة التي يستهدفون فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)،
التابعة للأمم المتحدة، والتي يتولى جاريد كوشنير، صهر ترامب (وظيفته هذه أدقّ من
صفته مستشارا لترامب) قيادة حربٍ ماليةٍ وسياسيةٍ ضدها، ومن أسبابٍ يسوقها هذا
الفتى لعمله هذا أن الوكالة الأممية فاسدة. والخشية أن يأخذ بعض العالم، ومنه بعض
العرب، هذه الفرية السّمجة، على محمل الجد، فيتحسّبون من الخوض في المعركة
الواجبة، والشديدة الإلحاح، من أجل إنقاذ "أونروا" من العمل الأميركي
على إنهائها. ويحاول كوشنير، في زعرنته المكشوفة هذه، أن يطوّق جهودا تعمل على
إنضاجها عمّان واستوكهولم، والاتحاد الأوروبي، والأمانة العامة للأمم المتحدة، من
أجل حماية "أونروا" من مصيرٍ سيئ، يريد ترامب، بهمّة صهره، أن يجعله
واحدا من إنجازاته، يُضاف إلى ما اقترفه بشأن القدس، وإلى ما يدبّره في خرافة
"صفقة القرن"، المعلوم منها وغير المعلوم.
يفترض كوشنير أن حماه، دونالد ترامب،
إذا قال شيئا لا بدّ أن يصير، ولا يعني شيئا لهما أن وكالة أونروا قامت بقرارٍ من
الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1949، وأن هذه وحدها تبقي الوكالة أو
تلغيها. ولكن، يحسُن أن لا نُؤخذ بهذا الأمر تماما، نحن، الخائفون حقا على الوكالة
الأممية، صاحبة الدور الحيوي والتاريخي البالغ الأهمية في صيانة قضية اللاجئين
الفلسطينيين، ذلك أن الجمعية العامة للأمم المتحدة سبق أن ألغت قرارا اعتمدتْه،
فلا يغيبُ عن البال أنها اعتبرت في العام 1975 الصهيونيةَ من أشكال العنصرية، ثم
في العام 1991 ألغته، في لحظةٍ كان العرب في واحدةٍ من أتعس حالاتهم، في غضون توابع
غزو العراق دولة الكويت، والحرب التي أعقبته. وها هم العرب الآن في حال أشدّ
تعاسةً، كُساحُهُم وعجزُهم وسخافات حروبهم، الأهليات منها والبيْن بيْن، مظاهرُ
تغري بأن يُتعامَلَ معهم فرائسَ ميسورةً للنهش والاستضعاف، فإذا ما جدّ الجد، ومضت
زعرنة إدارة ترامب إلى مدىً ليس مستبعدا، فإن شيئا مما تُضمره لوكالة أونروا قد
يحدُث، ذلك أن المنطق الذي أودعه صهاينةٌ نافذون، من ذوي العقول الأميركية الحاكمة
في قنوات صناعة القرار الأميركي، في أفهام جاريد كوشنير ومداركه، أن هذه الوكالة
معنيّة بمن يُسمّون أنفسهم لاجئين فلسطينيين، فيما هم ليسوا كذلك، فالذين لجأوا
بعد أن تحرّرت منهم أرض الميعاد للشعب اليهودي الذي يستحقّها ماتوا أو ينتظرون،
ولا شأن لأبئانهم وأحفادهم بتلك القصّة التي تصلح للأرشيف، ولا يجوز أن تبقى عائقا
في الوصول إلى سلام فلسطيني إسرائيلي.
هذا التخريف بالضبط، بإيجازه هنا فحسب،
وبلا أي تفاصيل مُضجرة، هو ما يستقر في أخيلة ترامب ونائبه مايك بنس، واللذيْن
سلما كوشنير مهمّة أخذ الفلسطينيين والإسرائيليين إلى السلام الذي يشتهيانه، ولم
يتمكنّا من بلوغه، لأسبابٍ لا قبل لهذا الشاب أن يُتعب ذهنه بمعرفتها، وقد كفاه أن
"أونروا" تحديدا تعمل على "تأبيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، من
خلال تخليد قضية اللاجئين"، على ما جاء في رسائل مهرها بتوقيعه، وبعثها، قبل
أيام، إلى العاملين في وزارات الإدارة الأميركية وهيئاتها، وجاء فيها أن الوكالة
الأممية، الفاسدة بحسبِه، لا تُسهم في توفير حلّ سياسيٍّ لهذا الصراع. وفي هذا
الكلام، وغيره، يتجاوز الصهر المستشار يمين العصابة الحاكمة في إسرائيل، صهيونيةً
وتطرّفا. وهذه قناةٌ في التلفزيون الإسرائيلي تُخبر من يعنيهم الأمر من العرب (؟)
أن أفكار كوشنير هذه ستُصاغ في وثيقةٍ أميركية، ليتمّ العمل على أن يتبنّاها العالم،
وموجزُها أنهم نصف مليون لاجئ فلسطيني فقط، وليسوا كما تقول "أونروا"
نحو 5,6 ملايين لاجئ، فيلزم شطب الفائض الزائد هنا. وقد بدأت إدارة ترامب
زعرنَتَها هذه بأن خفّضت مساهمة الولايات المتحدة المالية السنوية للوكالة 60%..
وبالتالي، فإن أكثر من 520 ألف طالب فلسطيني في 711 مدرسة، في سورية والأردن
ولبنان وفلسطين، عدا عن خدماتٍ أخرى توفرها الوكالة، في مهبّ الريح .. هل من
يكترث؟
المصدر: العربي الجديد