في "يوم النكبة" اندلعت الانتفاضة الثالثة
عصام نعمان
فاجأ الفلسطينيون أنفسهم في “يوم النكبة” بإطلاق الانتفاضة الثالثة. كانوا ينتظرونها، كما اليهود الصهاينة، في سبتمبر/أيلول المقبل بعد إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على “حدود” عام 1967 لكن شبان وشابات فلسطين قرّبوا موعد الانتفاضة لتتزامن مع “مسيرة العودة” في 15 مايو/أيار. ما فعلوه في ذلك اليوم المجيد كان أكثر من زحفٍ إلى “الحدود” الفاصلة بيننا وبين الكيان الصهيوني ومحاولة تخطي الأسيجة في خطوة رامزة إلى ممارسة حق العودة. ما فعلوه، في الواقع، كان انتفاضة واعدة ضد “إسرائيل” وضد “النظام” الفلسطيني والأنظمة العربية معاً. ذلك أن السياسة التي اتبعتها هذه الأنظمة طوال السنين الثلاث والستين بعد قيام الكيان الصهيوني كانت التفاوض أو تحريك الأوضاع بحرب محدودة من أجل تحريك التفاوض، حتى بات عنوان المرحلة كلها المفاوضات من أجل المفاوضات. مع وصول المفاوضات إلى طريق مسدود برفض “إسرائيل” تجميد الاستيطان ولو لأشهر ثلاثة، شعر الفلسطينيون، ولاسيما الشباب، بأن عليهم القيام بعمل نوعي لمنع الولايات المتحدة وحلفائها العرب والعجم من ابتكار ملهاة جديدة لمعاودة المفاوضات بسياق ماراثوني مغاير قبل دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل. العمل النوعي تجلّى باسترداد الشعب الفلسطيني قضيته والإمساك بها بنفسه، والمبادرة إلى مواجهة “إسرائيل” بصدور أبنائه العارية، والاشتباك مع العدو بإصرار بقصد إسالة الدماء كي يفهم قادته، كما مسؤولو الشعب الفلسطيني، أن ثمة لغة جديدة للتخاطب والتعامل هي لغة المواجهة والمقاومة. قادة العدو فهموا رسالة الشباب الفلسطيني وعبّروا عن قلقهم.
بنيامين نتنياهو قال إن معركة الفلسطينيين الزاحفين في “يوم النكبة” لا تدور على حدود 1967 بل على حدود فلسطين كلها.
ايهود باراك دعا “الإسرائيليين” إلى أن يتخيلوا ماذا سيحدث عندما سيزحف الفلسطينيون على المستوطنات بعد أن تقرّ الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. المحلل السياسي المعروف “ألوف بن” رسم صورة درامية لما حدث وسيحدث بقوله: “إن الهدوء تزعزع، وبرز سيناريو الرعب الذي تتخوف منه “إسرائيل” منذ قيامها، وهو خروج اللاجئين الفلسطينيين من مخيماتهم والتوجه نحو “إسرائيل” محاولين تحقيق حق العودة بأنفسهم”. أجل، تحقيق حق العودة بأنفسهم وليس بواسطة الحكومات والمفاوضات وقرارات الأمم المتحدة. هذا يعني الاعتماد على النفس والعودة إلى الكفاح والمقاومة بكل الوسائل الممكنة. وهو يعني أيضاً أن الاعتماد على النفس يشمل الفلسطينيين جميعاً: في الأراضي المحتلة عام ،1967 وقبلها في الأراضي المحتلة عام ،1948 وفي مخيمات الشتات تحت كل كوكب. القادة “الإسرائيليون” أدركوا معنى انتفاضة “يوم النكبة”، فهل أدرك معناها القادة الفلسطينيون؟ظاهر الحال يشير إلى أنهم توقعوا اندلاعها، فبادروا إلى إنجاز المصالحة والاتفاق على إقامة حكومة وطنية مستقلة للإشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. فعلوا ذلك بعدما قام الشباب الفلسطيني، في الضفة وغزة، بمحاكاة الانتفاضات الشعبية في أقطار عربية عدة، بتظاهرات صاخبة تطرح مطلباً واحداً: “الشعب يريد إنهاء الانقسام”. قادة “حماس” و”فتح” أنهوا الانقسام، ظاهرياً، بتوقيعهم اتفاق المصالحة. لكن ذلك لا يكفي إن لم يقترن بتأليف حكومة مستقلة بغية إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لتجديد القيادات الفلسطينية الهرمة. من هنا تنبع أهمية انتفاضة “يوم النكبة” بما هي دليل على أن انتفاضة الشباب الفلسطيني مستمرة، وأنها سوف تتجدد إذا ما أخفق القادة الكهول في تحقيق الأهداف المرتجاة وفي مقدمتها الانتخابات لضمان تعميق الكفاح وتوسيعه ضد الكيان الصهيوني العنصري وتواطؤ الولايات المتحدة معه. في هذا المجال، يأمل ذوو الإيرادات الطيبة في الوطن السليب والشتات وعالم العرب أن يكون الشباب الفلسطيني قد استخلص درساً من الانتفاضة في “يوم النكبة”، ولاسيما على “الحدود” الفاصلة بيننا وبين اليهود الصهاينة. فقد كان للمقاومة المدنية بجميع أشكالها، في هذه الآونة، وقع عربي ودولي أعلى من المقاومة الميدانية بمعنى المسلحة. ذلك أن الشعوب لا تستطيع أن تقف موقفاً سلبياً من أفراد وجماعات تحاول الوصول إلى أراضيها وبيوتها المحتلة، أو موقفاً لامبالياً من شبان وشابات يحاولون إثبات حقوقهم ومطالبهم بأصواتهم وصدورهم العارية أو... بحجارةٍ يلقونها على جنود مدججين بأسلحة فتاكة، ولا يتورعون عن استخدامها بدم بارد. العالم استقبل بإعجاب ما فعله شبّان فلسطين وشاباتها على “الحدود” مع “إسرائيل”. الحقيقة أن شعوب الأمة قامت من سباتها ولن تعود إليه بهمة شبابها المترع بأحقية قضاياه العادلة. ولأنها استيقظت، فقد أصبح نهجها المعتمد: الكلام المباشر والعمل المباشر والعزوف عن كل أشكال الوساطة والمساومة والمقايضة والمخاتلة.
هل نبالغ بالقول إنها بداية عصر الصدق والوعد الصادق؟
المصدر : جريدة الخليج الاماراتية 21/5/2011