قتل الفلسطينيين في لبنان
بقلم: سمير الحجاوي
لم يتعرض احد من الفلسطينيين المشردين في العالم، من المعاناة والقتل والاستهداف كما حدث مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ففي عام 1976 حاصرت قوات حافظ الاسد ومعها الموارنة اللبنانيون مخيم تل الزعتر وقتلوا اهله وشردهم، وفي عام 1982 ارتكب الاسرائيلي آرييل شارون وحلفاؤه الموارنة مجزرة في مخيم صبرا وشاتيلا وقتلوا فيها اكثر من 3000 فلسطيني، وبين عامي 1985 و1988 حاصرت مليشيا أمل الشيعية ومعها الجيش السوري ومليشيات "فلسطينية" شكلتها المخابرات السورية واللواء السادس الذي انشق عن الجيش اللبناني والتحق بحركة امل المخيمات إلى درجة مطالبة الفلسطينيين المحاصرين بفتاوي تبيح لهم اكل القطط، وبعد ذلك تتالت الاعتداءات على المخيمات الفلسطينية كان اخرها قيام الجيش اللبناني بتدمير مخيم نهر البارد في ايار 2007 وقصفه لمدة 3 شهور وتشريد 40 الف من سكانه.
في الفسيفساء اللبنانية الطائفية تتعامل جميع القوى مع المخيمات الفلسطينية على اعتبارها الحلقة الاضعف التي تستطيع اي قوة حزبية او طائفية استهدافها والاعتداء عليها دون خوف او وجل او حساب، وهذا ما يفسر استسهال قصف المخيمات وحصارها وقتل الفلسطينيين بشكل مستمر.
اخر هذه الحلقات كانت قيام الجيش اللبناني بقتل طفل فلسطيني عمره 16 عاما في المخيم في مخيم نهر البارد، لأنه يقود دراجة بدون ترخيص، ومن ثم قتل شاب اخر اثناء تشييع الطفل، وقتل شاب ثالث في مخيم عين الحلوة لخروجه في مظاهرة احتجاجية على قتل الشابين وجرح اخرين.
مخيم نهر البارد يقع على بعد 16 كم من طرابلس في شمال لبنان، انشأ عام 1949 بعد نكبة فلسطين وتشريد الفلسطينيين ، كان محورا للصراع عام 2007 بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام التي يعتقد انها تابعة للمخابرات السورية" وقام الجيش اللبناني بقصف المخيم بالدبابات والمدفعية والمروحيات القتالية، مما ادى إلى تدميره بالكامل ونزوح جميع سكانه، رغم انه يعد الاقل "عسكرة" بين جميع المخيمات الفلسطينية، وبقي خارج اطار الحرب الاهلية اللبنانية، فهذا المخيم يضم المخيم الاف المتعلمين من الاطباء والمهندسين والعمالة الفنية الماهرة وأصحاب الكفاءات، مما حول المخيم إلى سوق مزدهر يعتمد عليه سكانه وسكان المناطق المجاورة في معيشتهم. وعلى الرغم من "سلمية" اخل المخيم الا انهم وجدوا انفسهم وسط معركة لا علاقة لهم بها، ولم تشفع لهم "نزعتهم غير القتالية" من النأي بأنفسهم عن هذا الصراع فقتل منهم عدد كبير ودمرت منازلهم ومتاجرهم وأسواقهم ومدارسهم وعياداتهم الصحية وتحول المخيم إلى "فضاء من الخراب"، وفرض عليهم حصارا امنيا خانقا.
والان وبعد 5 سنوات لا يزال 80 في المائة من المخيم مدمرا، وعمد الجيش اللبناني إلى تحويله الى منطقة عسكرية مغلقة وفرض عليه حصارا شديدا يمنع الدخول اليه او الخروج منه الا بموجب تصريح تحول إلى اداة "للموت والحياة" بالنسبة للسكان، وحول "مقبرة المخيم" منطقة عسكرية ممنوعة حتى على الموتى الفلسطينيين.
الحكومات اللبنانية المتتالية تعاملت مع نهر البارد بطريقة سيئة ولم تستجب لمطالب سكان المخيم والمتمثلة بإلغاء الحالة العسكرية والغاء نظام التصاريح المخابراتية ورفع الحصار الامني، وعودة النازحين، وفتح المخيم على جواره اللبناني ومحيطه لتنشيط الحركة الاقتصادية فيه، واعادة بناء المخيم، وتشكيل لجان تحقيق بقتل الطفل الفلسطيني، وتسليم المرافق العامة في المخيم بما فيها المقبرة وهو ما يوفر دائما اسبابا قوية للانفجار.
على الرغم من مرور كل هذه السنوات من العلاج التخديري بالمهدئات فان نزف المخيم وسكانه لم يتوقف، بل حاولت القوى اللبنانية والقوى المرتبطة بالنظام السوري إلى التعامل مع المخيم بوصفه اداة لتنفيس الاحتقان الذي يحبس انفاس لبنان وينذر بصيف لبناني حار على وقع الرصاص.
الفلسطينيون في لبنان يتعرضون بشكل عام إلى الاقصاء والإلغاء و"التحرش العنصري والطائفي"، ويمنعون من العمل ويعانون من الفقر والبطالة، ويدفعون نحو الهجرة بعيدا عن فلسطين، فهم من جهة "رهائن" الجغرافيا السياسية اللبنانية، ومن جهة اخرى "منطقة تماس" عرقية وطائفية بين التيارات اللبنانية المختلفة، وهو ما يدفع الفلسطينيين إلى السؤال عن جدوى عدم حماية انفسهم بالسلاح، ما داموا يعيشون في "غابة السلاح اللبنانية" التي يتسلح فيها الشيعة والعلويون والسلفيون علنا، ويتسلح فيها المسيحيون وتيار المستقبل والقوى الاخرى سرا، فهل يمكن ان يضمن الفلسطينيون في لبنان عدم الاعتداء عليهم بدون ان تكون اصابعهم على الزناد ومستعدين للقتال؟
عندما كان ياسر عرفات يحكم لبنان من "جمهورية الفاكهاني" كانت جميع القوى اللبنانية "تحج" اليه طلبا للرضى، وكان الفلسطيني انسانا محترما، ولم يستطع اعداء الفلسطينيين في لبنان اقصاء عرفات ومن معه إلا بقوة سلاح حافظ الاسد والجيش الاسرائيلي، وبعد خروج الفلسطينيين من لبنان تحولت المخيمات الفلسطينية إلى "مشاع" لكل هاو لسفك الدم الفلسطيني.
الفلسطينيون في لبنان لا يريدون فرض سيطرتهم على احد ، ولا يرغبون بالبقاء هناك أصلا فهم يحلمون ان يعودوا إلى وطنهم فلسطين، ولا يريدون زجهم بالمناوشات والمشاكل اللبنانية الداخلية، لكن وإلى ان تتحقق هزيمة العدو الإسرائيلي وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين، فمن حقهم ان يعيشوا بكرامة وحرية ملتزمين بالقانون مثل كل اللبنانيين، ومن حقهم ايضا ان يدافعوا عن انفسهم بكل الطرق "بما في ذلك السلاح" اذا استخدم الاخرون ضدهم السلاح، فمن غير المنطقي او المعقول ان يكونوا "حمامة" في سماء الكواسر وغابات البنادق وأسيجة الرصاص، وعلى الفصائل الفلسطينية التي نصب قادتها انفسهم زعماء على الشعب الفلسطيني ان يدركوا ان شرعيتهم تبدأ من حماية الدم الفلسطيني اولا في لبنان وفلسطين وكل مكان، وان لا شرعية لوجودهم اذا اصبح الدم الفلسطيني مشاعا لكل راغب بسفكه.