قراءة إسرائيلية في مآلات الثورات
العربية
بقلم: د. عدنان
أبو عامر
يصدر هذا التقدير،
فيما بلدان الثورات العربية، لاسيما مصر، تعيش تطورات متلاحقة، ويناقش مستقبل
الثورات العربية، وأثرها على (إسرائيل)، وقراءة استشرافية لمدى نجاحها في البلدان
العربية، ومدى ما شكلته من قلق حقيقي على (إسرائيل)، خاصة وأنها تعتبر ما حصل في
العواصم المجاورة لها "زلازل" عربية هزت الشرق الأوسط، في إشارة للآثار
المترتبة عليها، ومدى التبعات المتوقعة من هذه التقلبات الإقليمية عليها، وفرصها
في العيش بسلام في المنطقة، فضلا عن الآثار المترتبة على الأمن الإقليمي والعالمي.
منذ اللحظة الأولى
اعتبرت "(إسرائيل)"، هذه الثورات العربية، مجموعة من الانتفاضات الشعبية
انطلقت في تسلسل سريع، بسبب "الأوبئة" الاجتماعية والسياسية في تلك البلدان،
وأثبتت هذه الثورات أن الثقافة السياسية في العالم العربي موجودة إلى حد كبير، وهي
حقيقة واقعة، ما يعني فشل الأنظمة الاستبدادية طوال العقود الماضية في إلغائها
وتغييبها.
مع العلم أن أسباب
الانتفاضات العربية اختلفت من بلد لآخر، ما يعني أن نتائجها اختلفت عن بعضها
البعض، وفقاً للمميزات الأساسية لكل مجتمع عربي، لكنها جميعاً اشتركت في نتيجة
قائمة، وهي أنها تواجه صعوبات كبيرة، وتحديات على الطريق نحو ديمقراطية مستقرة
ممكنة في المستقبل القريب، بعد أن تحالفت الأنظمة السابقة مع (إسرائيل)، لتحافظ
على "التصاميم" الاستبدادية، وفي نفس الوقت كي تبدو قوية إقليمياً.
وهنا يبرز التحليل
النقدي الإسرائيلي للسياسات الأمريكية تجاه الانتفاضات العربية، بسبب الفجوة
الكبيرة بين الخطاب والإجراءات في السلوك السياسي، وأثبتت أنها تختلف اختلافاً
كبيراً، حتى في ظروف مماثلة، وتضمنت الإجراءات بعضاً من الضغوط الدبلوماسية
والسياسية الثقيلة، والتدخل العسكري، وقد تسبب هذا التناقض بضرر كبير بمكانة
الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بسبب انكشاف أوجه القصور في النهج الأمريكي
تجاه انتقال الدول العربية من الاستبداد إلى الديمقراطية في المنطقة.
التحدي الأمني:
في ذات السياق، فإن
ما تصفه (إسرائيل) بـ"التغيرات الكونية" التي تحدث في العالم العربي
تشكل تحدياً أمنياً رئيساً لها ولغيرها من الدول الغربية الحليفة، ونظراً
للتداعيات السياسية الأمنية أمامها بفعل هذه الثورات، يمكن القول إن الصراعات
الداخلية في المستقبل ضمن الأنظمة الجديدة ستعمل على تفاقم التهديد الأمني لإسرائيل
ضمن عدة مستويات:
المستوى الأول: في
المدى القصير، من حيث زعزعة استقرار الحكومات العربية قد تساعد في تسهيل الهجمات
المسلحة عبر الحدود ضد (إسرائيل).
المستوى الثاني: في
المدى المتوسط، التي قد تكون عبر هذه الحكومات العربية الجديدة، من خلال قيادتها
للمنظمات المسلحة، وفي السير على طريق ذات اتجاه واحد نحو صراع عسكري ضد (إسرائيل).
المستوى الثالث:
فترات طويلة، من خلال إنشاء الأنظمة الإسلامية الجديدة في العالم العربي التي قد
تؤدي لظهور المنظمات الجهادية الجديدة.
وهو ما يعني أن
التبعات المتوقعة للربيع العربي على (إسرائيل)، الموصوف بأنه "زلزال
إقليمي"، جاء تأثيره على السياسة الداخلية والخارجية الإسرائيلية، معتمداً
على الربط النظري لتحليل التفاعل بينهما، نتيجة للانتفاضات الشعبية، وصولاً لفحص
تأثير "الربيع العربي" على الرأي العام الـ(إسرائيلي)، ولهذا يمكن
الاكتشاف بأن الحكومة الإسرائيلية بزعامة "بنيامين نتنياهو" تعاملت مع
الثورات العربية كمن أبحر عبر مياه غير مستقرة في الشرق الأوسط، بفعل الظروف غير
المواتية في الداخل والخارج.
وهو ما يجعلنا نذهب
باتجاه تناول آثار الربيع العربي على أمن (إسرائيل)، والمتمثلة بـ: إضعاف الدول
العربية الحليفة لإسرائيل، التغيرات بموازين القوى في المنطقة لغير صالحها،
والانسحاب الأميركي الواضح من المنطقة.
مع التركيز على
المخاوف الجديدة التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي، من بينها تصاعد مخاطر التغير
السريع والمفاجآت الاستراتيجية، وزيادة النشاط المسلح المعادي، وانخفاض الردع
الأمني، وتزايد العزلة الإقليمية، والتهديد النووي الإيراني، ما يتطلب جملة من
النقاط لإبداء استجابة (إسرائيل) لهذه التهديدات، بما في ذلك توسيع الجيش لمكانته،
وزيادة الاستثمار في البحث والتطوير، وإقامة حدود يمكن الدفاع عنها، وتشكيل
تحالفات إقليمية جديدة، والحفاظ على علاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة.
أخيراً..يكتسب هذا
التقدير أهميته مع تطور الموقف الميداني في مصر، انطلاقاً من التأكيد على عدم
الاستخفاف بالأهمية الفائقة لها على (إسرائيل)، فقد تواصلت متابعاتها الحثيثة، على
مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية، وطغى المشهد المصري، على مجمل
التحركات السياسية الإسرائيلية، الداخلية والخارجية، ما يعني أن ما يحصل في شوارع
القاهرة والإسكندرية وسيناء لم يعد شأناً مصرياً داخلياً، وإنما إسرائيلياً
بامتياز!
فلسطين أون لاين