قراءة "إسرائيل" كما هي.. بعيداً عن الرغبات
د. عدنان أبو عامر
انقضت حرب غزة، وهناك الكثير من الدروس والعبر التي يمكن
استخلاصها، لتطوير الإيجابي فيها، وتلافي السلبي منها، لاسيما صوابية قراءة وضع
(إسرائيل) من الداخل خلال أيام الحرب الخمسين، لأن هذه القراءة شكلت لصناع القرار
وقطاعات الرأي العام معياراً أساسياً لتقييمهم اليومي لمسار المواجهة.
ويمكن تسجيل جملة من الملاحظات المهنية، قد تخطئ أو
تصيب، لكنها قابلة للنقاش وإبداء الرأي:
1- الإعلام الإسرائيلي في أوقات الحروب يصبح أداة مجندة
للدولة، مع الحكومة والجيش والمخابرات، بممارسة أشد أنواع الرقابة العسكرية على ما
ينشر ويبث، وهذا أمر فات الكثيرين، وباتوا يتداولون ما تنشره الصحف الإسرائيلية
والقنوات التلفزيونية على أنه كلام دقيق وصواب ولا يعتريه شك، مع أن معظمه موجه
ومقصود.
2- انشغل الإعلام الفلسطيني بمختلف توجهاته السياسية بما
يدور في الداخل الإسرائيلي من تفاعلات بخصوص حرب غزة، وهذا أمر إيجابي من باب
"اعرف عدوك"، لكن المبالغة فيه شيء سلبي، نحن نتحدث عن منح ساعات طويلة
من البث الإذاعي والتلفزيوني والمواقع الإخبارية لما يقوله العدو، دون أن يمر
بعملية فلترة وغربلة وتمييز بين الغث والسمين، فضلاً عن أنه يمنح الإعلام
الإسرائيلي فرصة ثمينة للتسلل لبيوتنا وأسماعنا، ليتحدث الجميع عما تردده
(إسرائيل)..هنا سؤال بريء: ماذا يمنح الإسرائيليون من بثهم وقنواتهم للإعلام
الفلسطيني؟ عذرا على الإجابة القاسية..
3- لابد لمن يتحدث في الموضوع الإسرائيلي أن يتقن
العبرية: قراءة وكتابة ومحادثة، وليس ذلك فقط، بل أن يفهم تركيبة المجتمع
الإسرائيلي، والتلاوين الحزبية، والتركيبات الحكومية، وعلاقة الجيش بالساسة، أما
الاكتفاء بإعادة تكرير ما تقوله الصحافة الإسرائيلية في الترجمات التي تصلنا، فهذا
عمل جيد مبتدئ يحتاج للتطوير، ليدرك أحدنا أنه جدير بأن يتحدث في الموضوع
الإسرائيلي.
4- فرق كبير بين ما ينقله الإعلام الفلسطيني عما يقال في
نظيره الإسرائيلي من تهجمات على الحكومة، وفشل الجيش في حرب غزة، وضرورته لرفع
معنويات الجمهور الفلسطيني، وإشعاره أن الحرب أثرت كثيرا في (إسرائيل)، وهذا كلام
ساخن يخرج من المعدة مطلوب في لحظة من اللحظات، وبين كلام بارد يخرج من العقل موجه
لصناع القرار، مفاده: لا تستمعوا كثيراً لما نردده في الإذاعة والتلفزيون وشبكات
التواصل الاجتماعي، هذا ليس لكم، استأنسوا به ليس أكثر.
مشكلة كبرى أن يعتمد صانع القرار على ما يصل الجمهور
العادي عبر الأثير، ويبني عليه قراراته المفصلية، وإلا لماذا يبني الإسرائيليون
قراراتهم وتوجهاتهم تجاه الفلسطينيين على ما يصلهم عبر أجهزة المخابرات، ويستعينون
فقط بأجهزة الإعلام لتعزيز فكرة ما أو استبعاد أخرى؟.
5- استمرارا لحالة النقل الحرفي لما يردده الإعلام
الإسرائيلي، يقع الكثيرون منا في مشكلة التهويل والتضخيم على الجانبين، وهو أمر
طالما تم التحذير منه لخطورته الأمنية والسياسية:
أ- التضخيم من قدرات المقاومة الفلسطينية، وهي بالأساس
حركات مقاومة دفاعية بإمكانيات أولية، وصناعات محلية، ونقل ما يردده الإعلام
الإسرائيلي عن امتلاكها إمكانيات ولوجستيات يجعلها تقترب من كونها جيشاً نظامياً،
مما يمنح العالم المتحالف مع إسرائيل فرصة الدفاع عن نفسها ضد الجيش الفلسطيني،
ومعظم ما يبث إسرائيلياً حول قدرات المقاومة مصدره الجيش والشاباك.
ب- التهويل من الكارثة التي ألمت بـ(إسرائيل)، وأنها
أصبحت على مقربة من الانهيار والزوال، هذه أمنية مشروعة وليس حقيقة واقعة،
الفلسطينيون يواجهون عدواً مدججاً بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة استخدمها ضد غزة في
أيام الحرب المجنونة، وليس مطلوباً من حركات التحرر أن تزيل الكيان المحتل لها، بل
أن تؤلمه بمفاصل حيوية تسرع بجلائه عن شعوبها.
6- عند الحديث عما يتردد في الإعلام الإسرائيلي من
ترجمات حقيقية ووهمية، يجب التمسك بالأمانة العلمية والمهنية الصحفية، أما أن يلجأ
البعض لتزوير معلومات واختلاق أخبار في عز الحرب، فهذا لعمري ليس بينه وبين الصدق
علاقة البتة، لأننا نتحدث العبرية ونتابع الإعلام الإسرائيلي أكثر من الفلسطيني،
وحين نسمع خبرا ملفتاً عن موقع إخباري إسرائيلي أو قناة تلفزيونية نذهب فورا لتلك
الوسيلة فلا نجد أصلا لهذا الخبر..ماذا نسمي ذلك؟.
7- عند الحديث عن الحرب الطاحنة التي يواجهها
"نتنياهو" اليوم داخل إسرائيل، بسبب فشله في حرب غزة، مهم أن نعلم أن من
يشنها عليه هم من أكثر منه تطرفاً ويمينية ودموية، هنا يخطئ من يكتفي بذكر الفقرة
الأولى دون الثانية، وهذه إشارة سلبية، فهل من يتهم "نتنياهو" بالفشل في
غزة كان يريد استخدام قوة نارية أكثر وارتكاب مجازر أكبر؟ الحقيقة ببساطة نعم!
أخيراً...الاستفادة مما يقوله العدو في إعلامه أمر جيد،
ويبنى عليه، لكن الاعتماد الكبير المبالغ فيه يحمل مضامين خطيرة يفضل تجنبها بصورة
ذكية وموجهة..
فلسطين أون لاين