قراءة في أسس الخلاف الفتحاوي – الحمساوي
بقلم: صلاح حميدة
لفهم الخلاف الحالي بين الحركتين الفلسطينيتين لا
بد من قراءة تفاصيل وخلفيات هذا الخلاف، ومن خلال هذا الفهم وهذه القراءة من الممكن
أن نتنبّأ بإمكانيات حل هذه الخلافات وتذليل العقبات في طريق ( عمليّة المصالحة).
الخلفيّة التاريخية
أصول حركة "فتح" وعدد من مؤسسيها كانت
إخوانيّة، ومن المعروف أنّ جماعة الإخوان المسلمين كانت "التنظيم العربي الوحيد
الذي وضع كافّة إمكانيّاته في سبيل محاربة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين" حسب
الكثير من الباحثين والمؤرخين، ووصل مقاتلوها حتى صورباهر في القدس، ودخلوا وقاتلوا
في فلسطين من مصر وسوريا والأردن والعراق، وكانت الجماعة ذات تأثير على الكثير من الفلسطينيين
الذين رأوا فيها العنصر المقاتل لتحريرهم من الاحتلال، ولكن حرب نظام عبدالنّاصر عليها
وضع مؤيديها الفلسطينيين في مأزق كبير، فأي مشروع تحرري فلسطيني يحتاج لدعم سياسي ناصري
ودعم مالي خليجي، والشرعية السياسيّة والنّضالية كانت ستكون محل شك من قبل الجماهير
في ظل التأييد الأعمى لعبد النّاصر في تلك الفترة، وفي هذه الأجواء رأى قادة تنظيم
"فتح" تشكيل تنظيم غير مؤدلج، وخرج بعض القادة المؤسِّسين ل "فتح"
من جماعة الإخوان حتى يتمكنوا من حرية الحركة في العالم العربي، ولذلك كانت "فتح"
تعيش تحت وطأة ظروف نشأتها التاريخية، وأصبحت على الدّوام مضطرة لإثبات بعدها عن خط
جماعة الإخوان المسلمين، وقد تكون لا تزال تعيش هذه الحالة حتّى اليوم في ظل بروز أسباب
أخرى للخلاف، بالرغم من اضطرارها للتعاطي مع أنظمة سياسية تعتبر امتداداً لإخوانيّة
الفكر والمنهج مثل تركيا ومصر وتونس وربّما غيرها في الأيّام القادمة.
عقدة البديل
منذ دخلت حركة "فتح" في منظمة التحرير
وأصبحت قائدتها، و الإعلان أنّ منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني،
تتحسّس حركة "فتح" من أي تنظيم أو تشكيل فلسطيني من الممكن أن ينتقص من هذا
التمثيل أو يكون بديلاً عنه، ولذلك كانت نظرة حركة "فتح" لحركة "حماس"
سلبية في هذا الإطار لأنّها تمثل التنظيم الفلسطيني الوحيد القادر على انتزاع هذا التمثيل
منها، إن كان انتقاصاً وهي خارج المنظّمة، أو كان بشكل كامل أو جزئي إن دخلت فيها عبر
آليات ديمقراطيّة تمثيليّة، وعزّز هذا التّحسّس ما يجري من تمدّد إخواني في العالم
العربي هذه الأيّام، وبالنّسبة لحركة "حماس" فهي تعتبر أنّها كحركة إخوانيّة
تمّ تغييبها قسراً عن القيام بدور ريادي في فلسطين والمنطقة، وهي حركة ذات فكر ريادي،
وبالتالي فمن الطبيعي أن تحاول القيام بالدور الذي يتجانس مع فكرها ومنهجها السياسي،
وهي ترى منهجها يحقق إنجازات على الأرض وأنّه في ظل الربيع العربي أصبحت الأجواء أكثر
ملاءمةً لتحقيق إنجازات أكثر على طريق تحرير فلسطين بشكل كامل، مع إخفاق وانحسار منهج
حركة "فتح" السياسي القائم على التّسوية في فلسطين والعالم العربي.
وحتّى لا نظلم حركة " فتح" فإنّ أطرافاّ
أخرى في منظّمة التحرير من الفصائل البالغة الصّغر والشّخصيات التي ليس لها رصيد شعبي،
لها دور في زيادة وتعزيز استبعاد حركة "حماس" في الإطار التمثيلي الرسمي
الفلسطيني المتمثل في منظمة التحرير لأنّها ستخسر امتيازاتها تلقائياً. كما أنّ أطرافاً
دوليّة وإقليمية لها دور مركزي في منع ولوج حركة "حماس" لمنظمة التحرير الفلسطينية،
في ظل تمسكها باستراتيجيّتها ومواقفها السياسية التي تتصادم مع الأطار السياسي العام
في المنطقة والعالم.
البرنامج السياسي
يعتبر البرنامج السياسي لمنظمة التحرير بقيادة حركة"
فتح" من أخطر نقاط الخلاف بين الحركتين، فالتزامات منظمة التحرير التي خفّضت السقف
السياسي للفلسطينيين كانت ولا زالت هي عقدة المنشار في العلاقة الحمساوية – الفتحاوية،
وفي العلاقة الحمساوية مع الإقليم والخارج، وهي السبب الرئيس للحصار والحرب والعزلة
السياسية التي فرضَتها الرّباعيّة الدّولية على حركة "حماس" بعد فوزها في
الانتخابات التشريعيّة، ولا بدّ من التوضيح أنّ هذه العزلة بدأت بالتّفكُّك ولكنّها
لم تنته بعد، وهذا يعد إنجازاً لصمود حركة"حماس" ورفضها للخضوع تحت سقف تلك
الالتزامات، ولا زالت تلك الالتزامات والاتفاقيات من المعيقات الجوهريّة في طريق المصالحة
لتمسّك حركة" فتح" بها بالرغم من وصول المفاوضات لطريق مسدود.
ولتخطي هذه العقبة من المهم أن يتم الاتفاق على
برنامج سياسي لا ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، ويستطيع من خلاله الفلسطينيون الخروج
من عنق زجاجة أوسلو بأقل الخسائر، وهذا يتطلب من حركة "فتح" خطوات جريئة
ومؤلمة، لأنّها تتحمّل المسؤولية عن مغامرة أوسلو.
عقدة الانتخابات
قد تكون الانتخابات هي الفتيل الذي فجر ما كان مخزوناً
من إرث العوامل الأخرى، ففي لحظة الفوز في الانتخابات من قِبَل حركة "حماس"
كانت شرارة الاحتراب الأهلي الدّاخلي، وحتى الآن يعتبر فوزها في الانتخابات انقلاباً،
ولا يتمّ الاعتراف بأي إفراز من إفرازات هذا الفوز، حيث يُمنع رئيس وأعضاء المجلس التشريعي
من دخول مقر المجلس وعقد أي جلسات، فضلاً عن أنّ حكومة فياض المعيّنة لم تُعرض على
المجلس لتنال الثّقة، كما يُحظر على أعضاء المجلس القيام بأي نشاطات رقابيّة أو تشريعيّة
أو سياسيّة، بالاضافة لاعتقال سلطات الاحتلال للنواب من ذوي النّشاط (الزّائد) في الشّارع
الفلسطيني.
بينما تلح السلطة في رام الله على ضرورة إجراء انتخابات
جديدة في ظل واقع لا يمكن " أن يكون نزيهاً ويضمن تكافؤ الفرص" كما تقول
حركة حماس، بالإضافة إلى إجرائها في سياق منفصل عن خلفيات الخلاف الحقيقية، وهو ما
سيؤدي تلقائيّاً لتفجير الأوضاع من جديد إن تمّ التعاطي مع الانتخابات كجزئيّة منفصلة
عن السياق العام للخلاف وللصراع مع الاحتلال أيضاً، كما أنّ إصرار قيادة السلطة على
ألا تشمل الانتخابات الإطار التمثيلي العام ( منظمة التحرير) للفلسطينيين في الشتات،
بالتوازي مع الانتخابات الداخلية، حيث أن لعبة التعيين تحت قاعدة ( إجراء الانتخابات
حيثما أمكن) تفتح الباب للمناكفات وعدم إنجاز أي شيء، فوق أنّها إجراء مرفوض بشكل جذري
من غالبيّة الفلسطينيين.
عقدة الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة
التزامات أجهزة حركة "فتح" الأمنيّة في
الضّفة الغربيّة تقتضي منع أعمال المقاومة المعادية للاحتلال، وهذه لا تخفيها الحركة
ولا تنكرها بحجّة أنّ تلك النّشاطات تأتي في إطار منع " المليشيات المسلحة والتّسلح
خارج الأجهزة الأمنيّة"، وهذا ما يجعلها تتصادم مباشرة مع حركة"حماس"
وفصائل المقاومة التي تكفل لها كافّة القوانين مقاومه الاحتلال بكافّة الوسائل.
فيما تعتبر حركة"حماس" أنّ أجهزتها في
غزّة تحمي ظهر من يقاوم الاحتلال وتيسر لهم التسلح والتدريب والحماية الأمنيّة، وتدلل
على ذلك بما فاجأت به قوى المقاومة الفلسطينية الاحتلال في حرب غزة الأخيرة، ومن ضمنها
أجنحة عسكرية تابعة لحركة "فتح" لافتةً الى أنّها لا تعتبر السلاح الفتحاوي
المقاوم للاحتلال غير شرعي وأنها ترعاه وتحميه، كما تعتبر حركة "حماس" أنّ
إنجاز تحرير مئات الأسرى في عملية التبادل كانت أجهزتها الأمنية شريكةً فيه لمحاربتها
للعملاء بشراسة ومنعها لهم من اكتشاف مكان الجندي شاليط، بينما تستنكر "حماس"
جهود أجهزة حركة "فتح" في منع عمليّات مشابهة كما قال أكثر من قيادي من قادتها.
كما أنّ حركة "حماس" تعتبر أنّ العقيدة
الأمنيّة التي تحكم أجهزة حركة " فتح" الأمنيّة تضع تلك الأجهزة في حالة
عداء مع حركة "حماس" والمقاومة عموماً، وأنّها كانت أحد الأسباب الرّئيسيّة
للصّدام المسلح بين تلك الأجهزة مع الجناح العسكري للحركة في غزة، وبالتالي هناك من
يرى من عناصر وقيادات "حماس" أنّ ما يهم تلك الأجهزة هو النيل من رأس حركة
"حماس" وجناحها العسكري فقط.
ولذلك تتطلب الوحدة والتّصالح إدماج عناصر من جميع
فئات الشّعب الفلسطيني في تلك الأجهزة، وأن تتغير العقيدة الأمنيّة بحيث تصبح الأجهزة
الأمنيّة حارساً للشعب الفلسطيني وظهيراً لمقاومته وعنصر توحيد خلف برنامج سياسي مشترك
قائم على استرداد الحقوق الفلسطينيّة كاملةً غير منقوصة.
مما تقدّم يتبيّن لنا أنّ إمكانيّات التّصالح بين
الطّرفين محدودة في هذه المرحلة، وأنّ ما يجري هو دبلوماسيّة موسميّة تكون نتاج حالة
عاطفية شعبية أو ضغوطات وإحراجات عربيّة إقليميّة، وأنّ الطرفين يتعاملان في كل مفاوضاتهما
مع قشور في ظل غمامة من سوء النّيّة والتّرُبُّص، وأنّ التّفاؤل بإمكانيّة حدوث اختراق
هو نوع من التفاؤل في غير محلّه، وأنّ المدخل الحقيقي للمصالحة يبدأ من الإقرار بفشل
مسار التسوية وضرورة الانعتاق من رِبقة الارتهان للضغوطات الخارجيّة، و مشاركة الكل
الفلسطيني في مسؤوليّة الخروج من هذا المأزق.