قراءة في أوراق السلام الفاسد "4"
مرسي عطا الله
ليس اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة بنيامين نتانياهو وأفيغدور ليبرمان هو الذي يقف وحده وراء ما يتكاثر من أوراق السلام الفاسد في الأطروحات الإسرائيلية بشأن التصور الممكن لإبرام اتفاق نهائي مع الفلسطينيين وإنما للأسف الشديد هناك ما يشبه الإجماع بين مختلف التيارات السياسية داخل "إسرائيل" من أقصى اليمين المتطرف إلى أقصى اليسار المعتدل على أن مشكلة حق العودة للاجئين الفلسطينيين تشكل- مع القدس- حجر الزاوية في مفاوضات الحل النهائي، وأن هناك استحالة في إمكان التوصل إلى حل معقول يمكن أن يقبل به الإسرائيليون والفلسطينيون معاً!
ولكن من أين ينبع هذا الإحساس بالشك لدى معظم الإسرائيليين في إمكان التوصل إلى حل معقول لقضيتي القدس واللاجئين؟
إن أغلب القوى السياسية في "إسرائيل" ترى أن صعوبة الحل وبالذات في مشكلة اللاجئين تكمن في وجود قرارات واضحة للأمم المتحدة منذ سنوات تطالب بإعادة هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم وأن ذلك يمثل مطلباً مستحيلاً من وجهة نظر "إسرائيل" للأسباب التالية:
1- إن عدد هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين وذرياتهم في الدول العربية أصبح كبيراً جداً ويبلغ عدة ملايين.
2- إن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات أوضاع مؤقتة وغير مستقرة.
3- إن دولة "إسرائيل" أصغر وأفقر من أن تستوعب هؤلاء اللاجئين أو أن تعوض أولئك الذين لا يرغبون في العودة عن الأملاك التي تركوها.
4- إن هناك تجاهلاً لممتلكات اليهود من لاجئي الدول العربية قد صودرت هي الأخرى ولم يحصلوا على أي تعويض عنها حتى الآن!
فهل هناك منهج للمغالطة وخداع النفس بأكثر من ذلك؟
إنهم يعترفون بوجود قرارات صريحة وواضحة تكتسب شرعيتها من كونها صادرة عن الأمم المتحدة التي منحت "إسرائيل" شرعية الوجود بقرار تقسيم فلسطين عام 1947 ولكن الشرعية لا تقبل التنفيذ على أرض الواقع إلا عندما يكون الأمر متعلقاً بحقوقهم فقط أما عندما يتعلق الأمر بحقوق ومصالح الآخرين تظهر المصاعب وتثار العقبات وتوجد الأزمات!
إن قرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948 ينص بوضوح على حق الراغبين في العودة إلى بيوتهم والعيش في سلام مع جيرانهم على أن يدفع لهم ولأولئك الذين لا يرغبون في العودة تعويضاً عن ممتلكاتهم.
والقرار رقم 242 لعام 1967 يتحدث بوضوح وجلاء عن ضرورة إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين، أما القرار رقم 338 لعام 1973 فيطالب بالبدء فوراً في تنفيذ القرار رقم 242 بكل بنوده وفي مقدمتها ما يتعلق بالانسحاب من الأراضي التي جرى احتلالها في يونيو 1967 وبينها القدس الشرقية وضرورة إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين.
بل إن الأغرب والأعجب هو أن الاتفاق المرحلي بين "إسرائيل" والفلسطينيين الذي عرف باسم اتفاق أوسلو عام 1993 وبرغم ما اكتنفه من غموض في الصياغة- كانت محل انتقاد- فإن الاتفاق نص على أن تتم مناقشة قضيتي القدس واللاجئين في مفاوضات التسوية النهائية التي تشمل قضايا أخري مثل الحدود والمستوطنات والمياه.
لماذا اذن المغالطة والمماطلة والتسويف بشأن أمور وقضايا تمثل استحقاقا رئيسيا تحت مظلة الشرعية الدولية كما أنها وردت كبنود في الاتفاقيات التي وضعها الفلسطينيون والإسرائيليون معا وبمحض ارادتهم؟
لماذا إذن المغالطة ومحاولة خداع النفس قبل خداع الغير وقد كانت قضية اللاجئين - على سبيل المثال- بنداً أساسياً من بنود اتفاق السلام بين الأردن و"إسرائيل" عام 1996 والذي يعرف باسم اتفاق وادي عربة؟
لقد تضمن الاتفاق الأردني- الفلسطيني نصاً على أن يسعى الطرفان انطلاقاً من وعيهما بالمشكلات التي نجمت عن الصراع في الشرق الأوسط لحل ذلك في إطار لجنة مشتركة مع مصر والفلسطينيين.. وكانت مشكلة اللاجئين على رأس أولويات هذه المشكلات.
مرة أخرى.. لماذا المغالطة رغم أن هناك تعريفاً واضحاً لمن تنطبق عليهم صفة اللاجئين؟
إن وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أونروا حددت اللاجئ الفلسطيني بأنه كل إنسان كان يقيم بصفة دائمة في الأرض التي قامت عليها دولة "إسرائيل" في الفترة مابين أول يونيو عام 1946 وحتى 15 مايو عام 1948 وفقد مسكنه ومصدر رزقه نتيجة حرب عام 1948 ثم جرى تعديل هذا التعريف في مؤتمر أوتاوا لشئون اللاجئين عام 1992 لينص على أن تعريف اللاجئ يشمل الفلسطينيين ونسلهم ممن طردوا أو أجبروا على ترك بيوتهم في المناطق التي سيطرت عليها "إسرائيل" في الفترة مابين نوفمبر 1947 تاريخ صدور قرار التقسيم ويناير 1949 تاريخ توقيع اتفاق الهدنة وكذلك الفلسطينيون الذين تركوا بيوتهم وطردوا خلال حرب عام 1967 وأولئك الذين بقوا في قراهم بالضفة الغربية عام 1948 ولكنهم فقدوا أراضيهم داخل الأرض التي قامت عليها دولة "إسرائيل".
فهل في ظل أجواء المغالطات والتضليل يمكن أن يكون هناك أمل في السلام؟
وفي الأسبوع المقبل نواصل القراءة في أوراق السلام الفاسد!
كاتب مصري
صحيفة الوطن القطرية