قراءة في النظرية المسيحية لحل قضية اللاجئين في لبنان
بقلم: محمد أبو ليلى
لقد ركز العالم الاوروبي والغربي في بدايات القرن العشرين على مصطلحات السيطرة والتجارة والتوسع والإستعمار ونشر افكار الشيوعية والليبرالية والإعتقاد الديني ومن ثم الفكرة العلمانية والدخول بالحرب العالمية الاولى ومن الحرب العالمية الثانية وتدمير اوروبا.
الا ان ما حصل لدول العالم كان بكف والمؤامرة على البلدان العربية والاسلامية بكف اخر، فالتوسع والإنتشار وردّ الإعتبار بهزيمة الخلافة العثمانية كان من ابرز الاهداف التي رسمتها القيادة الاوروبية في ذلك الوقت واضعة ذلك في ميزان التكتيك للوصول الى إحدى الاهداف الاستراتيجية وهي التخلص من اليهود في اوروبا وتهجيرهم الى ارض تكون دولتهم وكيانهم.
والإختيار قد وقع على فلسطين، فهي الموقع الإستراتيجي وهي جسر الوصل وهي ارض الميعاد وهي ارض الاجداد بحسب زعمهم، وفي صميم الحرب والتدمير في اوروبا صدر وعد بلفور عام 1917 يعد بها اليهود بوطن قومي لهم في فلسطين، متبنياً افكار ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية والذي اشار بكتيب نشره عام 1896 الى ضرورة تأسيس دولة لليهود.
ونتيجة تلك المؤامرة، إحتلال الارض الفلسطينية وهجرة الفلسطينيين الى لبنان وسوريا والاردن والضفة الغربية وقطاع غزة وبعضهم الى الدول الاوروبية واعداد اخرى الى الامريكيتين لتصل اعدادهم اليوم وبعد 64 عاما وبحسب الإحصائيات الرسمية الى حوالي 11 مليون لاجئ فلسطيني.
وتعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الاصعب على الإطلاق مقارنة بغيرها من البلدان المضيفة، ويعود ذلك الى حرمان اللاجئ الفلسطيني من الحقوق المدنية و"الخصوصية السياسية" التي يتمتع بها لبنان عن غيرها من الدول.
فقد نشر قبل اسبوع مقال لإحدى الصحف اللبنانية يحمل عنوان "تصور حلول لقضايا اللاجئين الفلسطينيين من وجهة نظر مسيحية..... لا تسوية على حساب لبنان ولتتحمل الدول مسؤولياتها" بتمويل من "مركز التنمية والابحاث الدولي" في كندا، وابرز ما جاء فيه انه لزاما على المجتمع الدولي ان يعي أن تقديم ضمانات لتجنيب لبنان تسوية على حسابه في قضية اللاجئين وحده كفيل بإحداث خرق في اتجاهي التحسين والتسوية لأوضاع اللاجئين قانونيا ومجتمعياً الى وجوب تأمين موارد إضافية لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيليهم "الاونروا"، والتأكيد على رفض التوطين وضرورة إستيعاب الدول العربية ودولة فلسطين خصوصية لبنان وتركيبته السياسية والمطالبة بفتح الاسواق العربية امام اللاجئين من خلال فتح نقاش مع نقابات المهن الحرة. وأشارت الدراسة الى ان امام المسيحيين تحديين وهما دعوة الدولة اللبنانية الى التعامل بجدية مع قضايا اللاجئين ودعوة المجتمع والعالم العربي الى تحمل مسؤوليتهم ايضاً، وان هناك عائق اساسي لتقدير رؤية كاملة لحل مشكلة اللاجئين في ظل غياب آليات الضبط الإداري في الدولة اللبنانية لسجلاتهم. ومن ضمن النقاط البارزة والمهمة في الدراسة هي الدعوة الى تأسيس صندوق مستقل يقدم الخدمات الاستشفائية لهم ويكون مرتبطا بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في فلسطين على ان تؤمن الدولة اللبنانية له الإطار القانوني والإداري بالتنسيق مع "الاونروا". وقدمت الدراسة تصور للسلاح الفلسطيني خارج المخيمات وان هناك عجز من قبل الدولة اللبنانية بنزعه بسبب ارتباطه بأجندة اقليمية وعلاقته الواضحة بحزب الله، اما السلاح الفلسطيني داخل المخيمات فيجب البدء بضبطه وتنظيمه بإشراف مرجعية فلسطينية واحدة تمهيدا لتسليمه الى الدولة التي تبدو عاجزة ومقصرة وان هذا السلاح خطرا على اللاجئين انفسهم وعلى الاستقرار اللبناني والإقليمي والدولي وعرضة لاختراقات مخابراتية واستغلال مشبوه لا علاقة له باللاجئين ولا تقاضيهم العدالة.
ويود المسيحيون بحسب الدراسة، افضل إستضافة للاجئين إنما ليس على حساب اللبنانيين، ويطالبون الدولة بإدارة جدية من خلال مرجعية رسمية تملك رؤية متكاملة للقضية ورسم استراتيجية وطنية شاملة لحماية الاستقرار الوطني والاقليمي والدولي من الارتقاء الى مستوى علاقة "دولة لبنان" بـــ "دولة فلسطين"
امام المعطيات اعلاه ممكن استنتاج التالي:
اولاً: هناك موقف واضح من قبل المسحيين للدول الاقليمية والدولية انه لا يمكن ان تعالج مشكلة اللاجئين في لبنان على حساب اللبنانيين بسبب الخصوصية التي يتمتع بها لبنان عن غيره من البلدان. والتأكيد على ان تقديم الضمانات وحدها كفيلة بتأمين المساعدة للفلسطينيين.
ثانياً: ان الدولة اللبنانية مقصرة بحل بعض الملفات التي تهدد امن لبنان وامن المنطقة الاقليمية وهي السلاح التي بحوزة اللاجئين الفلسطينيين داخل وخارج المخيمات إضافة الى عدم وجود إحصائيات ضقيقة حول اعداد اللاجئين الفلسطينيين.
ثالثا: ان لبنان لا يمكن ان يتحمل اعباء اعداد كبيرة من اللاجئين وانه لا بد من تحمل الدول العربية جزء من هذه الاعباء من خلال فتح اسواق العمل بوجه اللاجئين.
رابعاً: ان على الدولة اللبنانية تشديد علاقتها الرسمية مع دولة فلسطين ومطالبتها بتحمل مسؤولياته بجدية اتجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إن كان على المستوى الامني او السياسي والصحي والتعليمي.
وفي قراءة متأنية ما بين سطور هذه الدراسة ممكن طرح العديد من علامات التعجب حول النظرة المسيحية لقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ابرزها ان الدراسة لم تتوجه او لم تذكر ابرز المعانآة التي يعانيها اللاجئ الفلسطيني! وبالتالي تقديم حلول عملية لتلك المعانآة بل على العكس من ذلك كل ما ارادته هذه الدراسة الإشارة الى انه يجب معرفة عدد اللاجئين في لبنان وضرورة تحمل "دولة فلسطين" والدول العربية والاجنبية هذه المسؤولية وان لا تكون الحلول على حساب لبنان.
ولهذه الدراسة العديد من المؤشرات ومنها ان الجانب المسيحي واضح انه لا يريد ان يعترف بحق اللاجئ الفلسطيني في لبنان بالتمتع بحقوقه المدنية بإعتبار ان ذلك سيكون على حساب لبنان، فهو ممنوع عن العمل بأكثر من 70 مهنة ولذلك كانت المطالبة بفتح حوار مع النقابات المهنية في الدول العربية، وهو ممنوع من الضمان الصحي و الطبابة ولذلك كانت المطالبة بفتح صندوق إستشفائي له يكون مستقل ومرتبط بالصندوق الوطني بفلسطين، وهو ممنوع من التملك لان ذلك سيؤدي تلقائياً الى التوطين المرفوض من قبل المسيحيين والمرفوضة أصلاً من قبل اللاجئين الفلسطينيين.وان فك هذا الحرمان مشروط بإعطاء الضمانات وانها وحدها الكفيلة بحدوث خرق بحل قضية اللاجئين وإعطاء حقوقهم.
خلاصة القول، إن على الجانب المسيحي الكريم في لبنان إعادة نظر بشكل جدي بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين والتركيز وتكبير العدسة على الوضع الإنساني وضرورة مطالبة الدولة اللبنانية بإعطاء اللاجئين حقوقهم المدنية، وإن كانت خشية الجانب المسيحي في لبنان تنفيذ مؤامرة التوطين بمجرد إعطاء بعض هذه الحقوق فإن اللاجئين الفلسطينيين وحدهم من يملكون مفاتيح صد هذا المشروع لانهم يرفضون التوطين جملة وتفصيلا.