القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

قصة العنصرية مع الأجانب والفلسطينيين في لبنان... رحلة من الجنة إلى جهنّم

قصة العنصرية مع الأجانب والفلسطينيين في لبنان... رحلة من الجنة إلى جهنّم

بقلم: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله

يأسر قلوب اللبنانيين عادة سؤال الزوار الأجانب: "هل تحبّون لبنان"؟ وذلك بشهادة معظم هؤلاء الزوار أنفسهم. ويفترض المرء أن السؤال فعليّاً يرمي إلى معرفة ما إذا كان الزائر قد أحبّ البلد ويستمتع بوقت الزيارة. ولا شكّ أن معظم الزائرين يستمتعون بأوقات زياراتهم إلى بلد يشكّل قوس قزح يبدأ بجاذبيته ولا ينتهي بكرم ضيافته. فالجو ربيعيّ شاعريّ، والتضاريس الجغرافية رائعة، ناهيك عن الطعام الشهيّ والآثار التاريخية المتعاقبة التي تعود إلى أكثر من ستّة حضارات سالفة، والأهمّ من ذلك كلّه الشعب اللبناني الودود الذي ينفي أي شعور بالغربة لدى هؤلاء الضيوف.

ولكن مع بدء الإعتدال الربيعي، وتجدّد الحياة النباتية والحيوانية، اللذين يرافقهما إرتفاع في درجات حرارة مياه البحر الأبيض المتوسّط، يظهر الوجه القبيح لهذا البلد الجميل.

يمارس التمييز ضدّ العاملات الأجنبيات المستقدمات من الفيليبين وشرق أفريقيا وأثيوبيا بشكل أساسي. فهنّ يعملن كخادمات ومربّيات لدى العائلات اللبنانية. وفي الوقت نفسه، يحرم اللاجئون الفلسطينيون من حقوقهم التي لا يطمحون للحصول سوى على الحقّين الإنسانيين الأبسط بينها وهما الحق في العمل والحق في امتلاك منزل خارج هذه المخيّمات الضيّقة والنتنة.

وفي العام 2005، أنتجت المنتجة السينمائية "كارول منصور" فيلماً وثائقيّاً حول ظروف العمل التي يوجهها العمال الأجانب في لبنان وقد حمل الفيلم عنوان "خادمة في لبنان".

ففي كلّ ربيع وصيف، تجتاح التقارير الإعلامية أخبار عدد من الشواطئ والمسابح الخاصّة التي تفصل أماكن سباحة الأشخاص ذوي البشرة الداكنة أو أولئك المصنّفين على أنهم دون طبقتهم الاجتماعية والاقتصادية. وهناك عدد كبير من الفنادق والمسابح التي يرصد فيها التمييز الفاضح بشكل مستمرّ إذ تضع حدوداً كتلك اللافتة الموجودة في احد المسابح التي كتب عليها: "ممنوع وجود الخادمات".

وفي هذا السياق أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن أكثر من 50% من المسابح اللبنانية لا تسمح للمهاجرين من آسيا وأفريقيا باستخدام المسابح، كما أن بعضها يمنعهم من الدخول.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التمييز العنصري لا يمارس فقط في المسابح الخاصة، بل ويمتدّ ليشمل البحر المجاني الوحيد في بيروت الذي يبعد قرابة 1.6 كيلومتراً عن شاطئ الرملة البيضاء، ولا يبعد كثيراً عن منطقة الحمرا ومخيمات مار الياس وشاتيلا وبرج البراجنة للاجئين الفلسطينيين.

الشاطئ واسع ورمله ممتاز، إلا أن بقايا المراكب المتناثرة التي تطوف من جبل القمامة في صيدا جنوبي لبنان باتجاه شماله تترسّب خلال العواصف على الشواطئ الواقعة شمال ذلك الجبل. أما رسم الدخول فمجّاني، ولذلك يشتهر هذا الشاطئ بارتياده من قبل العمّال الأجانب وذوي الدخل المتدني والعائلات اللاجئة من عدد من دول المنطقة التي أجبر أهلها على تركها والتوجه إلى لبنان بسبب الغزو الغربي لبلادهم.

وعلى مرّ السنوات، كان سكّان المباني الشاهقة التي يفوق عددها 150 مبنىً وتقع قبالة شارع رفيق الحريري وهذا الشاطئ، ومعظمهم من الخليجيين الأثرياء، يحاولون خصخصة هذا الشاطئ ليصبح مغلقاً بحيث يكون حكراً على استخدامهم الشخصي.

وفي هذا السياق منعت حتى الساعة محاولة سرقة هذا الشاطئ العمومي الذي لا يقدّر بثمن وذلك عقب سلسلة من حملات تنظيف الشاطئ التي قام ببعضها "أطفال المخيمات" الفلسطينية والمجموعات البيئية. وتجدر الإشارة إلى أن بلدية بيروت قد بدأت عمليات جمع القمامة بشكل منتظم من على شاطئ الرملة البيضاء. وتقوم بتوعية روّاد البحر لوضع مخلّفات رحلاتهم البحرية في المستوعبات الموضوعة حديثاً.

ولكنّ هذا لم يثن بعض رجال الإنقاذ الذين يتلقّون الأموال من العموم عن محاولتهم عزل هذا الشاطئ العام وإقصاء بعض مرتاديه كالعمّال الأجانب واللاجئين الشرق أوسطيين القادمين من العراق وكردستان وأفريقيا وفلسطين باتجاه الطرف الشمالي لهذا الشاطئ حيث البقع السوداء التي تتجمّع فيها مياه الصرف الصحي غير المكرّرة من المباني المقابلة والتي تصبّ في البحر الأبيض المتوسط.

والحق يقال إن التحقيق الذي أجراه مكتب حملة فلسطين للحقوق المدنية في واشنطن وبيروت كان مفيداً. فقد برّر أحد رجال الإنقاذ محاولته في تقسيم الشاطئ بقوله "إنّ هذا أفضل لهم" قاصداً ذوي البشرة الداكنة واللاجئين. وعندما سئل "كيف يكون أفضل لهم"، أصبحت أفكاره أكثر غموضاً ولكنّه أوضح أن "على الفلسطينيين مغادرة لبنان فهم لا يعملون ولا يعرفون القراءة والكتابة، فمعظمهم أمّيّون".

الرجل من طرابلس، وربّما لم يكن يعلم أن القانون اللبناني يمنع الفلسطينيين من العمل في جميع المهن الممكنة تقريباً، أي أكثر من سبعين مهنة كحدّ أدنى. ولكنّه قد يعرف شيئاً عن الأمية في الشمال، المنطقة التي يعود أصله إليها، بما في ذلك الدراسة التي قام بها برنامج الأمم المتحدة للتنمية مؤخراً في مدينة طرابلس والتي أظهرت أن نسبة الأميّة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاماً تبلغ 21% وهي النسبة الأعلى في لبنان والعالم. ويعود السبب في ذلك إلى ارتفاع معدّلات التسرّب المدرسي في المنطقة وخصوصاً بين الفتيان.

وبالمقابل، فإن الفلسطينيين وبالرغم من منعهم من التعلّم في المدارس الرسمية اللبنانية بشكل عام، ومع العلم أن معدّلات التسرّب المدرسي والأمية في مخيّمات لبنان الإثنا عشر تفوق تلك الموجودة في أيّ من مخيّمات اللجوء الفلسطينية التي تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) والتي يبلغ عددها ثمانية وخمسين مخيّماً في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا، إلا أن نسبة الأمية بين مواطنيهم من عمر 15 عاماً وأكثر لا تزال إلى حدّ ما 4.7% في إحصائيات العام 2011، أما بشكل عام فنسبة الأمية بين الرجال هي 2.1% و 4.7% بين النساء. إشارة هنا إلى أن هذه الأرقام قد وردت في تقرير النشرة الإحصائية الخاصة لمناسبة الذكرى الرابعة والستين للنكبة الفلسطينية الذي صدر حديثاً عن المكتب الفلسطيني المركزي للإحصاءات.

ومن الواضح أن مجلس النواب اللبناني بحاجة للعمل الجدّي من أجل مواطنيه المتضرّرين في الشمال الذي ترتفع فيه معدّلات البطالة (أكثر من 52% بين الرجال و 97% بين النساء بحسب دراسة برنامج الأمم المتحدة للتنمية)، بالإضافة إلى حاجته لمنح اللاجئين الحق في العمل كغيرهم من المواطنين الأجانب.

وحريّ بالذكر أن عدداً قليلاً من منظمات المجتمع المدني اللبنانية كمجموعة النشطاء في حركة مناهضة العنصرية، وحركة المهمّة الإجبارية للعمال الأجانب تتحرّك ضدّ هذه الممارسات العنصرية، بالإضافة إلى عدد من وكالات الدولة اللبنانية.

وبعد اجتماع فوريّ وصريح بين حملة فلسطين للحقوق المدنية ومسؤولين لبنانيين في مكتب بلدية بيروت في مار الياس تمّت فيه مناقشة متعمّقة في قضية شاطئ الرملة البيضاء واحتمال فتح اعتصام مائي مستمرّ، أو مطالبة القائد العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "أحمد جبريل" بفتح "تحقيق" في موقع الحدث، تعهّد مسؤولو بلدية بيروت بإجراء تحقيق فوري بالتزامن مع إجراءات علاجية جدّية إذا تطلّب الأمر.

وفعلاً التزم هؤلاء المسؤولون بوعودهم. فلم تكد حملة الحقوق المدنية تعرب عن امتنانها حتى أرسلت ندى سردوك المديرة العامّة لوزارة السياحة رسالة إلى أصحاب النوادي والمسابح طالبةً منهم "استقبال الزبائن بشكل لائق وعدم التمييز بين الأعراق والجنسيات و... ذوي الحاجات الخاصة". وقد نصّ هذا التعميم على ضرورة تأمين رجال الإنقاذ والمياه الصالحة للشرب مجاناً. وتعهّدت المديرة نفسها بإلزام جميع المخالفين بالمثول أمام القضاء فضلاً عن دفع غرامات مالية.

بإمكان لبنان، بشعبه وحكومته، أن يستأصل هذه الآفة المسيطرة على مرافق السباحة في بلد مبارك وملعون في آن معاً. وفي هذا السياق، أشار نديم خوري المحقق اللبناني من منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخراً إلى أن "مرسوم وزارة السياحة اللبنانية الذي يمنع التمييز العرقي ومحاولات التقسيم مشجّع مبدئياً إلا أن الحلّ هو في جعله ملزماً".