قصص عن كفاح 5 أمهات فلسطينيات
بقلم: أمجد سمحان
يمر يوم عيد الأم عاديا على الفلسطينيين، فيفترض أن الأم هنا لا تحتاج إلى يوم محدد لتكريمها، لا سيما أنها بدأت الحكاية منذ بدأ الاحتلال، ونسجت بنضالاتها عشرات القصص في المقاومة والصمود والتضحية.
حكاية بدأت قبل أن تحمل دلال المغربي البندقية، وحتى خاضت والدة هناء شلبي وأم يوسف وأم الأمهات، معارك الأمعاء الخاوية وفلذات الأكباد، من أجل أن ينتهي الاحتلال ويتوقف الظلم. في عيد الأم، هنا تستعاد حكايات أمهات في فلسطين، ما زلن على طريق التضحية.
الحاجة بديعة شلبي
وحيدة في خيمة على بعد أمتار من منزلها تجلس الحاجة بديعة شلبي (أم عمر)، تتأمل في صورة ابنتها هناء الشلبي التي فقدت من جسمها الهزيل أكثر مما يحتمل. 35 يوما وهناء مضربة عن الطعام، و35 يوما والأم شبه مضربة عن الطعام، تارة تصوم وتارة تبكي ابنتها التي أصبحت مشروع شهادة.
تقول الحاجة بديعة لـ«السفير»، «أنا لا أعتبر عيد الأم عيدا، بالنسبة لي هو عيد لكل الأسيرات الأمهات، عيد لابنتي الصامدة في زنازين الاحتلال». وأضافت «أنا لست فرحة، وقلبي يعتصر، فلدي ولد استشهد في الانتفاضة، وابنتي
هناء في أية لحظة قد تفارق الحياة. معزولة في غرفة مظلمة، لا أعلم عنها شيئا، يخبرونها أن أحدا لا يسأل عنها حتى يحطموا معنوياتها، وأنا أقول لها أنا معك كأم وصديقة ومشروع شهادة».
هناء في المعتقل منذ 53 يوما تخوض إضرابا عن الطعام بسبب أسرها من دون تهمة. تقول في تصريحات ينقلها عنها محاموها «لن استسلم، وإما النصر وإما الشهادة».
أم رائد الحلبي
تسكن أم رائد الحلبي في حي قرية كفر عقب شمال مدينة القدس. الساعة السادسة صباحا تتحرك باتجاه محكمة عوفر الإسرائيلية غرب رام الله لحضور محاكمة أحد أولادها الأربعة الأسرى في سجون الاحتلال. تذرف الدموع وتقول بحرارة «أولادي كلهم ليسوا معي، منهم لله الذين أخذوهم». وتضيف «أمهات الأسرى أبطال، ومناضلات وكان الله في عونهن، لا عيد أم ولا غيره يمكن أن يعوض غياب الولد عن فراشه».
تقضي الحاجة 4 ساعات في الطريق جيئة وذهابا وكل همها «هل أكلوا، هل ناموا، هل بردوا، هل يشتاقون لي».
واعتقل الاحتلال أولاد الحاجة أم رائد الأربعة، وكان آخرهم قبل يوم واحد من عيد الأم، وزرعوا في قلبها «مرارات ومرارات».
الحاجة أم يوسف
حكاية أم يوسف أبو حميد أشبه بفوازير رمضان، ففي كل يوم عليها أن تخمن: أي واحد من أولادها قد يكون إلى جانبها، وأي منهم قد يغادر، إما شهيدا أو أسيرا.
خمسة من أولادها اليوم بعيدون عن العين. تقول أم يوسف لـ«السفير»، «منذ العام 2002 تاريخ اعتقالهم لم أجتمع معهم في مكان واحد. لا أعرف كيف هي شخصياتهم. لم أعش معهم رجالاً. كانوا أطفالا عندما اعتقلوا للمرة الأولى، ثم خرجوا، وما إن بدأت بالتعرف عليهم، حتى اعتقلوا من جديد».
وفقدت الحاجة أم يوسف أحد أبنائها في الانتفاضة الفلسطينية الأولى شهيدا، ثم تم اسر الباقين مرارا، وكان «يطلق سراح احدهم ويعتقل الآخر، وظل قلبي محروقا على الدوام وحسرتي عليهم لا تنتهي». وفي إحدى المراحل كان 9 من أصل عشرة من الأبناء في المعتقل.
تنظر أم يوسف إلى المكان الوحيد الذي يجتمع فيه أولادها كلهم، وهو صورتهم المعلقة على الحائط وتتمنى أن يتم الإفراج عن ناصر ونصر وشريف المحكومين 5 مؤبدات، ومحمد المحكوم 3 مؤبدات.
علا الجولاني
قد تكون حكاية هذه المرأة بعيدة عن المقاومة مباشرة، لكنها أقرب إلى «أسطورة» جديدة في التاريخ الفلسطيني الحديث. فهي التي أنقذت ضحايا الحادث المأساوي الذي وقع في الأراضي الفلسطينية وذهب ضحيته 6 أطفال. وكانت علا الحامل، وحديثة الزواج، قد تمكنت من مغادرة حافلة تقل طلبة مدارس انقلبت بعد اصطدامها بشاحنة قرب رام الله. لكنها عادت بسرعة لإنقاذ الأطفال الذين كانوا بداخلها خلال احتراقها، فأنقذت من أنقذت، ولم يحالفها الحظ واحترقت مع من احترقوا.
خنساء فلسطين.. أم الأمهات
قد يكون الأمر مبالغا فيه بالنسبة للبعض. لكن قطاع غزة كله يشهد للحاجة أم رضوان، التي قدمت 5 من أبنائها شهداء، وكلهم كانوا قادة عسكريين، وجرى اغتيالهم، أو استشهدوا في معارك مع الاحتلال.
الحاجة كانت قد ظهرت في شريط فيديو وهي تودع أحد أبنائها بينما كان في طريقه لتنفيذ عملية في قطاع غزة. البعض لقبها بـ«الخنساء» وآخرون قالوا عنها أم الرجال، وهناك من يسميها «أم الأمهات اللاتي ينجبن الرجال في فلسطين، وفي زمن قل فيه الرجال».
المصدر: السفير