قضية الأسرى.. والانبعاث الفلسطيني
بقلم: هشام منور
ليس مستغرباً ولا مفاجئاً أن تتفاعل قضية أسرانا في سجون
الاحتلال على كافة أرجاء الوطن، لتحظى بدعم وتضامن شعبي، وتتنقل مسالة إقامة خيم الاعتصام
تضامناً معهم من مدينة إلى أخرى، ناهيك عن الاعتصامات أمام مقرات الصليب الأحمر. فمنذ
أن دخل الأسرى مساراً جديدًا في كفاحهم ضد الاحتلال عبر خوض معركة الأمعاء الخاوية،
والتفاعل الشعبي والإعلامي مع قضية الأسرى في تزايد ملحوظ، بصرف النظر عن انشغال بعض
وسائل الإعلام العربية بملفات أخرى، ومحاولة سلطات الاحتلال التعتيم على قضية الأسرى
ونضالاتهم بمبادرات جزئية وهامشية.
إدارة السجون الإسرائيلية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية
قدمت وبشكل مفاجئ للمحكمة المركزية في القدس توصية باستمرار اعتقال الأسير سامر العيساوي
حتى انتهاء محاكمته، مما يعني أن مسؤولية ما قد يحدث للعيساوي يتحملها القضاء الإسرائيلي،
وسيدعي الإسرائيليون أن العيساوي معتقل بأمر قضائي، وليس بأمر "تعسفي"، ولا
تستطيع السلطات الإفراج عنه إلا عبر القضاء، علماً أن القضاء يحكم لصالح الأجهزة الأمنية
التي تعد الأوراق والإثباتات "السرية" غير القابلة للاطلاع أو النقاش بذريعة
كونها "سرية" وتمس أمن الدولة.
وما من شك أن استشهاد الأسير عرفات جرادات، يوم السبت
23/2/2013، ابن بلدة سعير في محافظة الخليل، في سجن مجدو، وظهور آثار التعذيب على جسده
الطاهر، بخلاف ما ذكرته المصادر الإسرائيلية بأنه تعرض لنوبة قلبية حادة أدت إلى وفاته،
قد فاعلت من هذه القضية وجعلتها أولوية بالنسبة للشعب الفلسطيني وقياداته الرسمية.
فبعد أقل من ستة أيام على اعتقاله وتوقيفه في سجن مجدو، يعود الشهيد جرادات مسجى بثوب
فلسطين وتحته آثار لهمجية الاحتلال وعنصريته ضد الأسرى الفلسطينيين.
قضية الأسرى وبالذات المضربين منهم عن الطعام، تستدعي تحركًا
فلسطينياً ينبذ الخلافات الفصائلية، ويقال إن هناك احتمالاً كبيراً في أن تطرح على
هيئة الأمم المتحدة وبالتحديد على مجلس الأمن لاتخاذ قرار لصالح الإفراج عن أسرانا..
وهو ما أكده محمود عباس من خلال تبنيه لهذه القضية واعتبارها الأولى في اهتماماته،
حتى أن هناك احتمالاً كبيراً في أن تثار في المحادثات مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما
لدى زيارته رام الله أواخر شهر آذار الجاري.
سلطات الاحتلال لا تفوت أي تحرك للتضييق على أسرانا من
خلال محاولة تفريق نضالهم وشرذمته، عبر القيام بحملة تنقلات واسعة في السجون الإسرائيلية
لزعزعة استقرار الأسرى، والتنكيل بهم بذريعة مواجهة استعداد الأسرى لخوض اضراب عام
شامل في شهر نيسان، في يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف 17 نيسان، وتحت شعار
"المطالبة بالاعتراف بهم كأسرى حرية"، وتطبيق اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة
عليهم، وخاصة بعد الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة.
فإدارة السجون نقلت 500 أسير من مختلف السجون، وبعثرت الأسرى
وقياداتهم بين مختلف السجون. وتركزت هذه التنقلات في سجون عسقلان ورامون ونفحة وإيشل
والنقب وعوفر إضافة إلى تنقلات داخلية في السجن الواحد أكثر من مرة في محاولة إسرائيلية
للسيطرة على تحرك الأسرى، بالمقابل، تشير التسريبات إلى وجود حراك واسع يجري في صفوف
الأسرى استعداداً لتصعيد حراكهم المشروع، الذي سيطرحون فيه مطلباً أساسياً، وهو إلغاء
ما تطلقه عليهم إدارة السجون بمصطلح أسرى أمنيين، لإجبار الحكومة الإسرائيلية على الاعتراف
بمكانتهم القانونية، وفق اتفاقيات جنيف، ووضع حد للممارسات الإسرائيلية التعسفية الخطيرة
التي تنتهك حقوقهم. وسيبدأ الأسرى بخطوات عصيانية أولية كعدم الوقوف "للعد"،
وكذلك عدم ارتداء ملابس إدارة السجون.
التقرير الذي أصدرته دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى والذي
بين فيه أن قائمة الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو، وقيام السلطة انخفضت
إلى 106 أسرى بعد تحرر ثلاثة أسرى مؤخراً وهم جهاد عبيدي من القدس بعد قضاء محكوميته
البالغة 25 عاماً، وأحمد عارضة من عرابة في جنين بعد قضاء محكوميته البالغة 20 سنة،
وخالد أبو ريالة من غزة بعد قضاء قرابة 21 سنة في السجون، تبين حجم الإهمال والتقصير
إزاء الأسرى الفلسطينيين، وتضم قائمة الأسرى القدامى الموجودين حالياً لدى سلطات الاحتلال
57 أسيراً من الضفة، و26 أسيراً من قطاع غزة، و14 أسيراً من الداخل، و9 أسرى من القدس
المحتلة، منهم 79 أسيراً كانت قد صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد (مدى الحياة) لمرة
أو لعدة مرات، في حين أن الباقين (27 أسيراً ) يقضون أحكاماً بالسجن لفترات متفاوتة
ما بين 20 - 40 سنة. كما تضم القائمة 71 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً،
و24 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من 25 عاماً، واثنين مضى على اعتقالهم أكثر من
30 عاماً هما كريم وماهر يونس.
فعاليات التضامن الشعبي مع الأسرى الفلسطينيين من المتوقع
لها أن تتواصل وألا تهدأ ضد الاحتلال، يزيد من زخمها وقوف كافة أطياف الشعب الفلسطيني
مع هذه القضية الوطنية بصرف النظر عن انتماءات المتضامنين ورؤاهم السياسية، وإلى ما
قبل شهر نيسان المقبل وتحديداً السابع عشر منه، سوف تتواصل كرة الثلج الغاضبة من ممارسات
الاحتلال بحق الأسرى بصرف النظر عن أي مبادرات أو مقترحات لتنفيس الاحتقان الشعبي من
الظلم والغبن الواقع بحق جوعى الحرية.. وحاملي مشعل الكرامة الفلسطينية، ما يبشر بربيع
فلسطيني مزهر.. وبعيد عن أي حسابات ضيقة.
المصدر: الموقع الالكتروني لكتائب الشهيد عز الدين
القسام