قضية اللاجئين الفلسطينيين
بين قوة الحق وحق القوة
نبيل السهلي
تتسارع محاولات واشنطن
وتل أبيب لإسقاط القضايا الجوهرية الفلسطينية، وفي مقدمها قضية اللاجئين، التي برزت
إثر طرد العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي معظم سكان فلسطين العرب من وطنهم في
عام 1948.
وأصدرت هيئة الأمم المتحدة
أكثر من خمسين قراراً منذ النكبة، جميعها يقضي بوجوب عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتعويضهم
عن الأضرار التي لحقت بهم جراء الطرد القسري وتدمير قراهم، فيما رفضت "إسرائيل” على
الدوام تنفيذ القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، وفي الوقت ذاته، لم يجبرها المجتمع
الدولي على تنفيذ تلك القرارات في شأن فلسطين. كما أسقطت الإدارات الأميركية المتعاقبة
بالـ "فيتو" مشاريع قرارات لإدانة "إسرائيل” وسياساتها تجاه الفلسطينيين.
ومن أهم تلك القرارات ذات الصلة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، القرار 194 الصادر
عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون أول (ديسمبر) عام 1948، وكذلك
القرار 302 الصادر في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1950، والقرار 512 الصادر في 26 كانون
الثاني (يناير )1952، إضافة إلى قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة
اللاجئين إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
وفي عام 1948، تشكلت هيئة
الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وتولت أعمال الإغاثة الخاصة بوكالات الأمم
المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية.
بعد إمعان المنظمات الصهيونية
في قتل الفلسطينيين وتهجيرهم، تدخل المجتمع الدولي بزعامة الأمم المتحدة. وبدلاً من
وضع حد للإرهاب الصهيوني، مع تزايد أعداد اللاجئين وتمركز معظمهم على حدود الوطن (بلدان
الطوق) ومنع السلطات الصهيونية عودتهم، قامت الأمم المتحدة بتطوير تلك اللجنة وتوسيع
مهماتها، حين تبين أن قضية اللاجئين لن تحل سريعاً، فبدلاً من وضع حد للإرهاب الصهيوني،
تحولت القضية من قضية سياسية (شعب يُطرد من أرضه غصباً) إلى قضية إنسانية (شعب يبحث
عن مأوى وطعام).
أنشأت وكالة الأمم المتحدة
لإغاثة اللاجئين وتشغيلهم (أونروا) في الشرق الأدنى في عام 1949 وباشرت عملياتها في
أيار 1950. ومع أنها اعتبرت وكالة موقتة، تم تجديد ولايتها بانتظام كل ثلاث سنوات،
وهي تعبّر عن مسؤولية المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية اللاجئين وفقا للقرار 194 الذي
تم تأكيده 135 مرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ صدوره.
اعتمدت «أونروا» في عملها
بين اللاجئين الفلسطينيين على قاعدة تعريف صاغته للاجئ الفلسطيني، وهو تعريف إجرائي
وليس سياسياً، يهدف إلى توفير معيار ومقياس لتقديم مساعدات الوكالة على النحو التالي:
اللاجئ الفلسطيني هو كل شخص كان مسكنه العادي في فلسطين لعامين سبقا نزاع العام
1948، والذي كان من نتائجه أن خسر منزله ووسائل عيشه ولجأ في العام ذاته إلى واحد من
البلدان التي تقدم «أونروا» خدماتها فيها. وينسحب هذا التعريف على أولاده وأحفاده وذرياتهم،
على أن يكون مسجلاً في مناطق عملياتها الخمس وهي: الضفة الغربية، قطاع غزة، سورية،
لبنان والأردن.
وتسعى "إسرائيل” بدعم أميركي
إلى تغييب «أونروا»، الشاهد الدولي الوحيد على مسؤوليتها السياسية والإنسانية والأخلاقية
في بروز قضية اللاجئين وتداعياتها. وتشير إحصاءات إلى وجود نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني
مسجلين في سجلات الوكالة خلال العام الحالي (2019)، وثمة 41 في المئة منهم يتركزون
في المملكة الأردنية الهاشمية؛ و22 في المئة في قطاع غزة الذي يضم ثمانية مخيمات بائسة؛
في حين تستحوذ الضفة الغربية على 16 في المئة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين
المسجلين في "أونروا"؛ في مقابل ذلك، تستأثر سورية بـ 10،5 في المئة منهم،
وكذلك هو الحال في لبنان.
أصدرت السلطات الإسرائيلية
حزمة من التشريعات العنصرية لزعزعة الكيان الشرعي الفلسطيني. هذه القوانين، وفق تسلسلها
الزمني هي: «قانون أملاك الغائبين المتروكة» لعام 1950، والذي نص على وضع أملاك العرب
تحت الحراسة. ويحق للحارس، أو القيّم على هذه الأملاك، بيعها لقاء ثمن تحدده السلطات
الرسمية، وكذلك، «قانون استملاك الأراضي» الذي صدر في عام 1952، وهو يخوّل لسلطة الاحتلال،
الاستيلاء على الأراضي العربية بحجة استخدامها في أغراض التعمير والتنمية والاقتصاد،
أو لأسباب تتعلق بأمن البلاد العام، فضلاً عن «قانون التصرّف»، الذي صدر في عام
1953، ويشترط على صاحب الملك، أن يتصرف في أملاكه تصرفاً فعلياً بشخصه هو مباشرة. ويمنح
هذا القانون وزير مالية "إسرائيل” صلاحية إصدار قرار قاطع بأمر الاستيلاء على الأملاك
المعنية وتسجيلها ملكاً للدولة باسم «هيئة التعمير والتنمية»، إضافة إلى «قانون تقادم
العهد» أو «مرور الزمن»، الذي صدر في عام 1957، والذي ينصّ على أنه لا يحق لمالك الأرض
الاحتفاظ بها متى قدّم إثباتات تؤكد تصرفاً لطيلة 25 عاماً، وبذلك تسقط حقوق المالكين
العرب تحت ستار مرور الزمن.
والملاحظ أن القرارات المذكورة
كافة، التي صدرت عن السلطات الإسرائيلية في ما بعد، عبّرت عن نزعة الفكر الاجتماعي
الصهيوني لإضفاء صبغة شرعية على الاحتلال الذي سيطر على الأرض الفلسطينية بالقوة. وذهبت
القوانين الإسرائيلية أبعد من ذلك، حين اعتبرت أصحاب الأملاك من العرب الذين أجبروا
على الابتعاد عنها من «الغائبين»، حتى لو سكنوا في مناطق أخرى داخل الخط الأخضر. وامتدت
صلاحيات تلك القوانين لتطال الوقف الإسلامي، إذ أصبح القيّم على أملاك الغائبين، مسؤولاً
عن تأجير أملاك الوقف الإسلامي واستخدامها، والتي تبلغ نحو 30 في المئة من مجموع أملاك
الغائبين، ويبلغ مقدارها 16/1 من أراضي فلسطين ككل. يُذكر أن إعلان «يوم الأرض» في
30 آذار 1976 كان رداً على مصادرة أراضي الفلسطينيين في الجليل وغيرها من المناطق العربية،
وكذلك انتفاضة أم الفحم في عام 1998.
وتحاول السلطات الإسرائيلية
من خلال سيطرتها على الأوقاف العربية، بث النعرات الطائفية كما جرى في الناصرة في نيسان
1999. ولم تتوقف "إسرائيل” عند هذا الحد، بل أصدرت قوانين عدة خلال الفترة الممتدة
بين الأعوام 2000 و2019 لمصادرة مزيد من أراضي الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. واللافت،
أن فترات حكم نتانياهو شهدت إحياء قوانين عنصرية وإصدار قوانين أخرى؛ أهمها قانون
«الغائبين» وقانون «المواطنة والولاء» وقانون «يهودية إسرائيل».
ويبقى القول إنه على رغم
عدالة قضية اللاجئين الفلسطينيين، لكنها بقيت حبيسة المواقف الإسرائيلية والأميركية
الرافضة للقرارات الدولية، الداعية بمجملها إلى حق اللاجئين بالعودة إلى وطنهم الوحيد
فلسطين، والتعويض عن الأضرار المادية والجسدية التي لحقت بهم. إنه حق قوة المحتل وجبروته
في مواجهة قوة الحق والعدالة الدولية.
* كاتب فلسطيني