قلق "إسرائيل" من حضور
"حماس" في أوروبا
بقلم: د.عدنان أبو عامر
لا تخفي إسرائيل قلقها من تزايد ما تعتبره
نفوذ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الآخذ في التنامي داخل القارّة الأوروبيّة، وفقاً
لما تحدّثت به وسائل إعلام وتقارير أمنيّة إسرائيليّة، وزعمت تقارير إسرائيلية، أخيراً،
أنّ "حماس" تستغلّ الفلسطينيّين المقيمين في أوروبا لدمجهم في صفوفها، نظراً
لسهولة تحرّكهم في فلسطين وخارجها، وأنّ كوادر الحركة في أوروبا تلتقي بدبلوماسيّين
غربيّين، لدمج الحركة في الجهد الدولي الحاصل لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
ووفقاً للتقارير الإسرائيلية نفسها، فإن
مراكز أبحاث أوروبيّة متعاطفة مع الفلسطينيّين، لم تذكر أيّاً منها، تستضيف بعض مسؤولي
"حماس"، ما منح الحركة شبكة علاقات قويّة في القارّة.
الدعم المالي
ينطلق القلق الإسرائيلي، في بعض مرتكزاته،
من أنّ الحركة الإسلامية تقوم، عبر المؤسسات الإغاثيّة في أوروبا، بتحويل أموالٍ إلى
عناصرها في الأراضي الفلسطينية، الضفّة الغربيّة وقطاع غزة، وهي المؤسسات الخاصة بتقديم
المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، كما تستفيد من لجان الزكاة في القارّة الأوروبيّة،
وذلك وفقا للمزاعم الإسرائيلية.
تدعم الجاليات العربيّة والإسلاميّة في
أوروبا القضيّة الفلسطينيّة بالوسائل الإعلاميّة والسياسيّة والماليّة، ضمن القوانين
الأوروبيّة، وليس مخالفةً لها، لكنّ إسرائيل تحاول إلصاق أيّ نشاط قانونيّ تنظّمه هذه
الجاليات بتهمة دعم "حماس"، لاستفزاز أوروبا، وقد تجد اتّهامات إسرائيل للحركة
بزيادة نفوذها في أوروبا آذاناً صاغية لدى أجهزة الأمن الأوروبيّة، لملاحقة أيّ نشاط
إسلاميّ، خشية ارتباطه بالتنظيمات المسلّحة.
ويبدو من الصعب التسليم بحقيقة التقارير
الإسرائيليّة، لأنّها لم تذكر أسماء بارزة لنشطاء الحركة في أوروبا، أو عناوين مؤسّسات
أوروبيّة، تستفيد منها، لكنّ هذه التقارير قد تأتي ضمن توجّه إسرائيليّ للردّ على تزايد
الأنشطة المعادية لها في أوروبا، مثل حركة المقاطعة العالميّة، ووسم منتجات المستوطنات
في الدول الأوروبيّة، وما تراه سلوكاً أوروبيّاً متعاطفاً مع الفلسطينيّين في ملاعب
كرة القدم وأوساط الجامعات.
تظهر مزاعم إسرائيل حول تزايد نفوذ حماس
في أوروبا أنها تحمل تحريضاً إسرائيليّا ضدّ الجالية الفلسطينيّة الناشطة في الساحة
الأوروبيّة. ولذلك، يبدي الإسرائيليّون امتعاضهم من هذا النشاط الفعّال، ويحاولون تطويقه
بكيل الاتّهامات للقائمين عليه، مع أنّ "حماس" موجودة على اللائحة الأوروبيّة
للمنظّمات الإرهابيّة، وهي محظورة، ولا وجود تنظيميّاً ورسميّاً لها في أوروبا.
ولأنّ إسرائيل تعاني من تدهور صورتها في
أوروبا، فهي تسعى إلى تشويه صورة العاملين لفلسطين في أوروبا باختلاق قصصٍ ذات طابع
أمنيّ، وتلجأ إلى نشر اتّهامات لبعض الناشطين ومؤسّساتهم بمساندة الإرهاب.
وفيما ذكر جهاز الأمن الإسرائيليّ (الشاباك)
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنّ ناشطاً
"اتهامات إسرائيلية لحركة حماس ضمن
توجّه للردّ على تزايد الأنشطة المعادية لها في أوروبا" فلسطينيّا من مخيّم الرشيديّة
في لبنان مسؤول عن تنسيق عمليّات "حماس" في أوروبا، ويعمل على حشد الأموال
لتسليح الحركة، فقد اعتقلت إسرائيل، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بريطانيّاً من أصول لبنانيّة،
في أثناء زيارته إسرائيل، بتهمة تعاونه مع "حماس"، ونقل 50 ألف يورو وهواتف
نقّالة إلى عناصرها في الضفّة الغربيّة، وتعتبره إسرائيل عضواً في "حماس"،
مهمته إيصال الأموال من خارج الأراضي الفلسطينية، خصوصاً من لبنان، إلى الضفة الغربية،
حيث يوجد عناصر "حماس" فيها.
القائمة الإرهابية
ليس سراً أن فلسطينيي أوروبا يعملون لصالح
قضيّتهم الوطنيّة، في إطار القوانين الأوروبيّة، مثل عقد المؤتمرات الرسميّة واللقاءات
السياسيّة مع المسؤولين الأوروبيّين، وهي أنشطةٌ تحصل فوق الأرض، وليست سريّة، لكنّ
إسرائيل التي تواجه مآزق دبلوماسيّة، تحاول الإيقاع بين فلسطينيي أوروبا وحكوماتهم
الأوروبيّة، باتهامات تطلقها ضدّهم من دون أدلّةٍ عن ارتباطهم بحركة حماس، علما بأنّ
الأخيرة وأصدقاءها في العالم يقودون جهوداً لشطب اسمها من القائمة الأوروبيّة للإرهاب،
ممّا يزعج إسرائيل.
وكانت مستشارة محكمة العدل الأوروبيّة،
إليانور شاربستون، قد أوصت في سبتمبر/ أيلول الماضي، بشطب اسم "حماس" من
القائمة الأوروبيّة للمنظّمات الإرهابيّة، بعد أن وضعتها فيها عام 2001، لأنّ الاتحاد
الأوروبيّ ليست لديه قاعدة قانونيّة كافية تبرّر إبقاءها على قائمته الإرهابيّة، فقد
اتّخذ قراره ضدّها بناءً على معلوماتٍ من شبكة الإنترنت عن صلاتها بالإرهاب، من دون
التأكّد من هذه المعلومات بالطرق القانونية والتحقيقات الأمنية، ولم يحصل أي تقدم بعد
في مسألة الشطب.
في الوقت نفسه، ربما ليس خافياً أن لدى
"حماس" نشاط واضح في أوروبا، على الرغم من أنّه لا يتمّ باسمها الرسميّ،
بل عبر واجهاتٍ بحثيّةٍ ومؤسّساتٍ غير حكوميّة، وهنا، من دون التنسيق مع السفارات الفلسطينيّة
هناك، مع أن غالبية هذه النشاطات تكون لصالح دعم القضية الفلسطينية، ولا يظهر فيها
اسم "حماس" رسمياً، لأنها ما زالت حركة محظورةً في أوروبا، بسبب وضعها على
قائمة المنظمات الإرهابية.
وبالاطلاع على وثيقة مكتوبة لحركة حماس،
عن أهم أسس علاقاتها الخارجية، ومنها "إسرائيل تعاني من تدهور صورتها في أوروبا،
وتسعى إلى تشويه صورة العاملين لفلسطين في دول القارة" الأوروبية، ذكرت أن العلاقات
الأوروبية مع "حماس" تأثرت بشكل كبير بمحطتين أساسيتين، الأولى التي فرضت
الضغوط الأميركية فيها على أوروبا بوضع الحركة على لائحة الإرهاب في أعقاب انتفاضة
الأقصى. وعلى الرغم من أن هذا الأمر منع مؤسسات الاتحاد الأوروبي من الاتصال بالحركة،
إلا أنه لم يمنع دولاً أوروبية من الاتصال بها. المحطة الثانية بدأت مع الانتخابات
التشريعية الفلسطينية، وفوز "حماس" فيها، إذ على الرغم من شروط "الرباعية
الدولية"، شعرت أوروبا بأن الاتصال بالحركة أمر مهم، لأن عدم التعامل معها قد
يسفر عن عقباتٍ سلبية، أو إساءة للصورة التي طالما تحدثت عنها أوروبا فيما يتعلق بالديمقراطية،
وحرية اختيار الشعوب باحترام نتائج الانتخابات.
ويمكن الإشارة إلى بعض العوامل المؤثرة
في العلاقات الأوروبية مع "حماس":
أولاً، تعتقد "حماس" أنه ليس
لأوروبا دور سياسي أوروبي مُوَحَّد تماماً، وإنما تلعب الدول الأوروبية أدواراً لا
تتجاوز السقف الأميركي، ما يضعف الدور الأوروبي على صعيد القضية الفلسطينية وفي الشرق
الأوسط، وفي الوقت نفسه، فإن هذا الدور الأوروبي لا يستطيع أن يكون أوروبياً، بقدر
ما تكون هناك سياسات عامة، وكل دولة تتصرف بما تعتقد أنه مصالحها.
ثانياً، ترى "حماس" أن مجمل الدور
الأوروبي مرفوض إسرائيلياً. لذلك، هو يأتي في سياقاتٍ محدّدةٍ، لا تتعارض مع المصالح
الإسرائيلية والأميركية. وبذلك، يبقى الدور الأوروبي قاصراً عن لعب دور فاعل، ويكاد
ينحصر في ملء فراغ الدور الأميركي، سواء في حال عجزه عن تحقيق أي تقدم، أم تركيزه على
أولويات أخرى، أم انشغاله في أزمات أشد سخونة.
ثالثاً، لدى حركة حماس قناعة تتعزّز، يوماً
بعد يوم، أن أوروبا تلعب دور المُموِّل لعملية التسوية مع إسرائيل، ولم تلعب دور المؤثر.
لذلك، لم يكن دورها في العلاقات مع القضية الفلسطينية دوراً أساسياً.
رابعاً، على الرغم من ذلك كله، حرصت
"حماس" على علاقة إيجابية مع الدول الأوروبية. وعلى الرغم من جهود كاتب السطور
للحصول على أسماء دول بعينها، إلا أن مسؤولي الحركة يرون أن من السابق لأوانه الكشف
عن هذه العلاقات، نتيجة الالتزام المتبادل بينها وهذه الدول بعدم الإفصاح عن هذه العلاقات.
لكن، لم يعد سراً أن هناك علاقات وثيقة للحركة مع النرويج وسويسرا، وغيرهما.
اتصالات سرية وعلنية
يمكن القول إن علاقات "حماس"
الأوروبية، منذ سنة 2006، تشهد نمواً وتطوراً. وتعمل "دعاية إسرائيل ضدّ فلسطينيي أوروبا، واتّهامهم بدعم "حماس"،
تتجاهل حقيقة أنّ المجتمعات الأوروبيّة تفهم ما يجري في فلسطين" إسرائيل، عبر
اتصالاتها وقنواتها، أن هناك دولاً أوروبية لا تمانع في الحديث عن هذه العلاقات، لكنّ
هناك دولاً أخرى تتعامل مع الحركة بمستوياتٍ سياسيةٍ رسمية، وبشكل دائم، وليس مجرد
اتصالات، وهناك خمسٌ من دول الاتحاد الأوروبي بينها وبين الحركة هذا الشكل من العلاقات.
تبدو "حماس" من جهتها حريصةً
على تطوير هذه العلاقات الأوروبية، وهناك جهد سياسي من الحركة، في الوقت الراهن، لرفع
اسم الحركة عن لائحة الإرهاب الأوروبية. وعلى الرغم من وجود تجاوبٍ من بعض الدول، إلا
أن ما يعيق الأمر أن القرار الأوروبي لا بدّ من أن يكون بالإجماع. وهناك دول الاتحاد
الأوروبي الجديدة، والتي ربما تلتزم بسياسات الإدارة الأميركية أكثر منها، كونها قريبة
من السياسات الأوروبية.
يشير ذلك كله إلى أن دعاية إسرائيل ضدّ
فلسطينيي أوروبا، واتّهامهم بدعم "حماس"، تتجاهل حقيقة أنّ المجتمعات الأوروبيّة
تفهم ما يجري في فلسطين، بما يعزّز الموجة الأخلاقيّة المناهضة لنظام الاحتلال والأبارتهايد،
لكنّ إسرائيل تميل إلى تضخيم جهود الناشطين الفلسطينيّين، كأنّها تريد من أوروبا الإنصات
إلى أبواق الدعاية الإسرائيليّة فقط، مع أنّ أوروبا تشهد عمل أطيافٍ متعدّدة من المؤسّسات
والحملات والمبادرات المدنيّة والجماهيريّة للتوعية على انتهاكات الاحتلال الإسرائيليّ،
وهي جهود متنوّعة، وبعض منفّذيها من اليهود، لكنّهم، في منطق الدعاية الإسرائيليّة،
معادون للسامية، أو من "حماس".
الأسلوب الأكثر شيوعاً للمتحدثين الإسرائيليين
أن لديهم رواية أحادية، وهي وصم المواقف المدنية في أوروبا ضد الاحتلال الإسرائيلي
بأساليب التصنيف والتشويه المعروفة، لكن جميع هذه النشاطات في منطق الدعاية الإسرائيلية
معادية للسامية، أو من حماس، هكذا ببساطة!
كما تحاول محاولات التشويه المحمومة هذه
ربط جهود التواصل والعلاقات العامة في المجتمع المدني الأوروبي بنشاطاتٍ قتاليةٍ في
الشرق الأوسط، وهذا تحريض واضح. وبالطبع، لا تأتي هذه الدعاية على ذكر عمليات التجنيد
الواسعة التي تتم لشبابٍ أوروبي للانخراط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو جمع التبرعات
لصالحه في بلدان أوروبية، أو الالتحاق بمنظمات الاستيطان المتطرفة والمسلحة.
وقد دأب سفراء أوروبيّون على زيارة غزّة،
حيث تسيطر "حماس" عليها، وجديدهم وفد من 22 سفيراً أوروبيّاً، وصلوا إلى
غزّة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لتفقّد أحوال الفلسطينيّين. ونقل دبلوماسيّون
أوروبيّون في يونيو/ حزيران 2015 رسائل من إسرائيل لحركة حماس حول رغبة إسرائيل في
التهدئة في مقابل تخفيف حصار غزّة.
ربّما تدرك إسرائيل أنّ أوروبا لن تسمح،
بصفةٍ رسميّة، لحركة حماس بالعمل على أراضيها، طالما أنّ الحركة على قائمتها الإرهابيّة.
ولذلك، قد تستبق إسرائيل أيّ نشاط مقرّب من الحركة لإجهاضه في مهده، عبر مواصلة تحريضها
على "حماس" في أوروبا، بحيث تهدف، من سلسلة أخبارها وتقاريرها، إلى تبرير
استمرار حصار غزّة، ومنع أيّ تعاطف معها في الأوساط الأوروبيّة، ووقف تنامي التعاطف
الدوليّ مع القضيّة الفلسطينيّة.
أخيراً، قد لا تقتصر المواجهة بين
"حماس" وإسرائيل داخل الأراضي الفلسطينيّة، حيث الحروب العسكريّة، بل تمتدّ
خارج الحدود. وهناك لا تستخدمان البنادق والأسلحة، بل تشكّل قاعات البرلمانات الأوروبيّة
والاجتماعات الحكوميّة ساحة الصراع المحتدم
بينهما، وهي، كما تبدو، معركة دبلوماسيّة وسجال بينهما، تارة تفوز "حماس"،
وطوراً تتغلّب إسرائيل، لكن الصورة المقلقة لإسرائيل تشير إلى تراجع نفوذها في القارة
الأوروبية، وفي الوقت نفسه، زيادة تأثير الفلسطينيين، وتغلب روايتهم عن الصراع داخل
الرأي العام الأوروبي.