كرة قدم في ملعب صخري
أمام زحمة المشاكل التي يرزح تحت نيرها فتية مخيم الجليل وشبابه في بعلبك، يحاول هؤلاء بين الحين والآخر الترفيه عن أنفسهم، بممارسة الرياضة، وفي مقدمها كرة القدم. ولأن أزقة المخيم ضيقة، اختاروا ملعبه الصخري، الذي وفّر لهم بدل الاحتراف كسوراً ورضوضاً..
رامح حمية
«اللي بيوقع بملعب مخيم الجليل، كسره ما بينجبر». عبارة شهيرة درج على استخدامها أبناء مخيم ويفل في بعلبك، في محاولة منهم للتعبير عن حالة الملعب «السيئة جداً»، ولردع أولادهم عن ممارسة أي نوع من الألعاب عليه. وإذا كان الملعب الرياضي، الذي تزيد مساحته على 5 دونمات، يمثل متنفساً وحيداً لممارسة هواية كرة القدم، تلك الهواية التي يتقنها عدد كبير من أبناء المخيم، فإنّه أيضاً يمثّل مصدر خطر فعلي، حتى على اللاعبين المحترفين، وذلك بالنظر إلى افتقاره في كثير من مساحته إلى الرمل والتراب، اللذين حلت مكانهما نتوءات صخرية قاسية. وتعود قسوة أرض ملعب مخيم الجليل إلى قرب المسافة بينه وبين موقع «حجر الحبلى» الأثري، حيث تبدو جليةً الكتل الصخرية الكبيرة المحاذية لأرض المخيم.
«مجازفة ومخاطرة» أن تمارس أية لعبة على أرضية ملعب المخيم. وصف يطلقه الشاب الفلسطيني علي طه، ليشير من خلاله إلى أنه تخلى عن ممارسة هوايته المفضلة كرة القدم، «حتى لا أصاب بكسر يبعدني عن عملي الذي استرزق منه»، موضحاً أن الكثير من الشبان «يغامرون باللعب عليه»، لعدم وجود متنفس رياضي آخر يمكن أن يلجأوا إليه، «فأزقة مخيم الجليل الضيقة جداً تكاد لا تكفي لعبور شخصين معاً، فكيف بكرة يجري تقاذفها بين الأولاد» يتساءل طه.
من جهته، يرى محمد الحاج أن اللاجئ الفلسطيني «لا يقتصر حرمانه على بعض الحقوق، بل يتعداها الحرمان ليطاول حتى الرياضة، فنحن محرومون حتى قضاء بعض الوقت في التسلية، وتنمية بعض المواهب الموجودة التي يزخر بها المخيم». أما الفتى إبراهيم محمد، فقد أكد أنه يعشق لعبة كرة القدم، ويسعى إلى اللعب على أرضية الملعب، وأنه خلافاً لرأي أهله، مكتف بتبرير ذلك بالقول: «ما فيش أي شي تاني نتسلى فيه، منلعب والاتكال على الله». ولأن اللاجئ الفلسطيني اعتاد قسوة الحياة ومجابهتها بشتى الوسائل، فعلى الرغم من حالة الملعب السيئة جداً، لا يخلو مخيم ويفل من وجود فريقين رياضيين لكرة القدم، الأول يحمل اسم «الفالوجة»، والثاني «القيادة العامة». فقد لفت محمود كرزون أحد المسؤولين في المخيم في حديث لـ«الأخبار» إلى أن الفريقين «يجازفان فعلياً عندما يلعبان أو يتدربان على أرض الملعب، لا يحد من خطورة الأمر، سوى شغفهما باللعبة، وإصرارهما على ممارسة ما يتقنان». فريقا المخيم يستضيفان في بعض الأوقات فرقاً من البقاع وبيروت وصيدا، «لكن الاعتماد يبقى على مساعدة نادي الرسالة ـــــ بعلبك، الذي يسمح بإقامة بعض المباريات على ملعبه، بين الحين والآخر، وعندما يتعذر السماح بذلك يُلغى العديد من المباريات المقررة، وخاصةً أن الفرق المنافسة ترفض اللعب بسبب حالة الملعب المزرية» يقول كرزون.
ملعب مخيم ويفل اشترته منظمة التحرير الفلسطينية منذ ثلاثة عقود خلت، وسُجّل باسم دائرة الأوقاف الإسلامية، ليبقى أن حالة الملعب «اللي مش سيئة شوي بل جداً» كما يشرح كرزون، استدعت تقديم العديد من الطلبات بقصد إصلاحه، إلا أن «أحداً لم يسأل حتى اليوم» يقول. فالمطالبات والمناشدات لم تؤدّ سوى إلى وعود «واهية» لم ينفّذ أي منها، لأن الأونروا كما يشير، وعدت منذ عشر سنوات، لكنها لم تنفذ أية أعمال تأهيل، في الوقت الذي تعهدت فيه من جهة أخرى منظمة التحرير الفلسطينية إتمام ذلك، وأجرت بشأنه مناقصة فعلية بقصد صيانته وردمه بالتراب والرمل، «بس كمان اختفى التنفيذ، وبقي الوعد وعد» يقول كرزون.
________________________________________
مسؤول في الأونروا رفض ذكر اسمه أكد على حالة الملعب السيئة، وأحقية المطالبة بتأهيله، لكنه رأى أن ثمة «أولويات في عمل الأونروا لا بد من التقيد بها»، وخاصة أن مشاكل عديدة تحيط بالمخيمات الفلسطينية المنتشرة في لبنان، «ينبغي النظر إليها والعمل على الاهتمام بها قبل الأمور الرياضية» يقول. ولفت المسؤول إلى أن مسألة «شح التمويل من الدول المتبرعة والمانحة»، خلال الفترة الأخيرة، أثرت على نحو كبير على «عطاءات الأونروا وتقديماتها»، في الوقت الذي يجري الاهتمام فيه بأمور أخرى في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ومن ضمنها البارد وصور.
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية