القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

كرت مؤن أم رقم وطني!

كرت مؤن أم رقم وطني!

فدوى حلمي

«ولّعوا النّار بهالخيام وارموا كروتة التموين..لاصلح ولا استسلام..بسلاحنا نحرر فلسطين»، شعار مُغنّى رُفع عندما كانت الكلمة للسلاح، فحينها فقط لم تكن العودة خياراً ضمن قائمة خيارات بل كانت هي كل الخيارات، ولم تكن العودة حقّاً بل كانت واجباً يعتنقه الرجال، شعار رفعه القائد محمد النجار (أبو يوسف) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أثناء قيادته لمظاهرات عام 1955م الرافضة لمشروع التوطين في سيناء، وكان أبو يوسف النجار الذي اغتاله كوماندوز الموساد بقيادة المجرم إيهود باراك دائم التحذير من تحويل القضية الفلسطينيّة إلى كرتونة مؤن، فمنذ بدايات مشروع التحرر الفلسطينيّ أحاطت القيادات الفلسطينيّة الصادقة بمخططات إسقاط عودة اللاجئين من الملف الفلسطيني، وكانوا يرون أنّ لبّ حلّ القضية الفلسطينيّة يكمن في عودة اللاجئين باعتبار تحرير فلسطين واللاجئين عنوان واحد، لذا اِنكبّ العمل على تصفية غالبيتهم جسدياً كأولوية يتبنّاها الكيان الصهيونيّ رسميّاً على أعلى مستوى، وعندما يرحل المحاربون الشرفاء تحضر كائنات مجهولة الأصل فارغة من الداخل ترتدي معاطف فاخرة، لها تاريخ نضالي طويل في المقاهي المتناثرة على جوانب أرصفة الشانزلزيه، تُعرِّف هذه الكائنات نفسها على أنّها الممثل الشرعي والوحيد عن الشعب الفلسطينيّ، لتتحول فلسطين من قضية إسلامية عربية ذات تعاطف عالمي إلى بطاقة صرّاف آلي خاصّة ببعض الشخصيات، ولولا وجود ملايين الفلسطينيين كمُهجّرين خارج بلادهم لطَردَ الكيانُ الصهيونيّ تلك الكائنات من مناصبها منذ زمن خاصّة بعد إتمامها لمهامّها الأخيرة في مُحاصرة المقاومة المسلّحة في الضفّة الغربيّة وتثبيت الانقسام الفلسطينيّ، إلّا أنّه ما زالت هناك مهمّة قذرة أخيرة أوكلهم بها الاحتلال الصهيونيّ، وهي السير على سجادة حمراء بابتسامات متواطئة مع جموع الأقزام الدوليّة يعلنون إلغاء مُسمّى لاجئ فلسطينيّ وتحويل مُسمّاه إلى مواطن في أيّ بقعة خارج فلسطين مع منعه من العودة إليها.

هذه الكائنات سبق وأنْ ثار وانقلب عليها الشعبُ الفلسطيني قبل ميلاد الربيع العربيّ بزمن وما زال، فمع كل ليلة رباط في الأقصى ومع كل رمية حجر على جندي صهيوني ومع كل طلقة رصاص مقاوم تسقط شرعيتهم المُغتصبة عنوة من الشعب الفلسطينيّ، والاستفتاء المطلوب اليوم من اللاجئين الفلسطينيين لا يجب أن يكون على حقّ العودة بل على منح الثقّة أو سحبها من زعامات التنازل في ما يُسمّى (السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة) للتحدث باسمهم، فالدكتور سلمان أبو ستة عرّاب العودة الفلسطينية المنسق العام لمؤتمر حقّ العودة يؤكد أنّه أثناء زياراته على مدار 15 عاماً لغالبية التجمعات الفلسطينيّة حول العالم لم يجد لاجئين فلسطينيين يقبلون بالتنازل عن حقّ العودة. وبهذا الإجماع الشعبي الفلسطيني يتضح مدار المعركة مع الجبهة الصهيونيّة وحلفائها مباشرة، رغم محاولات حرف المسار إلى جبهة داخلية عربية تناقش جزئيّة التوطين ببنود سايكس بيكو، بتوصيف حقّ العودة (بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين) التي تخوضها الدول المستضيفة ليس مع العدو الصهيونيّ بل مع اللاجئ نفسه، ففي الأردن على سبيل المثال انقلب حقّ العودة من كونه ركيزة تحرير فلسطين واعتبار الاحتلال الصهيونيّ عدوا مشتركا إلى عملية تصنيف أردني أردني وأردني فلسطينيّ، وما يترتب على عملية التصنيف هذه في حال تصفية قضية اللاجئين، وهذا نتاج طبيعي لتراكمات دؤوبة لإسقاط الإطار الإسلامي العالمي والعربي الدولي عن القضية الفلسطينية، بمصطلحات الاستعمار الحديث المتمثلة في (شأن فلسطيني داخلي، البيت الفلسطيني، شأن فلسطيني فلسطيني..) التي يجب أن تُطرح أرضاً ويُداس عليها بالأقدام، فالولاء يمكن أن يكون بضاعة مختلفة الأثمان، لكنّ الانتماء الحقيقيّ للبعد الإسلاميّ والعربيّ والإنساني لقيمة القضية الفلسطينيّة لا يمكن أبداً المساومة عليه.

إنّ الواقع الملموس بخطورة أحداثه المتسارعة يفرض على المجتمع الأردنيّ لفظَ ترّهات المقامرين بقيم وعقيدة الشعب الأردنيّ واستقرار الأردنّ، وأنْ يتمثّل روح(معركة الكرامة) اليوم كجيش أردنيّ وقوات مقاومة فلسطينيّة تحت مُسمّى الشعب الواحد في مواجهة الاحتلال الصهيونيّ للدفاع عن الأردنّ وفلسطين معاً، في معركة صمود واحدة وفاصلة تقلب الموازين وتحافظ على معسكرات العودة، من خلال مؤتمر وطني شعبيّ موّحد يُفرز مجلساً وطنيّاً مُشتركاً منتخباً مقرّه عمّان ويضمّ ممثلي فصائل المقاومة الفلسطينيّة يحمل رؤية عمليّة واحدة واضحة المعالم ترفض التمثيل الحالي للتفاوض على اغتيال حقّ العودة. إنّ العدو الصهيونيّ في معركة الكرامة لم يُفرّق بين شماغ أحمر مُرصّع بتاج وبين كوفية بيضاء مُنقطة بالأسود فكلاهما في معتقده هوية واحدة يجب تصفيتها، ولا يعني العدو الصهيونيّ كثيراً على مَنْ تُطلق الرصاصة الأولى ما دام في النهاية كلاهما قتيلا.

المصدر: صحيفة السبيل