كشف حساب في ذكرى حرب غزة الأولى 2008
بقلم: د. عدنان أبو عامر
يمكن القول إنه بعد مرور 4 سنوات على اندلاع الحرب
السابقة على غزة المسماة "الرصاص المصبوب"، أواخر 2008 وأوائل 2009، أنّ
الجيش الإسرائيلي تمكن من توجيه ضربة كبيرة لحركات المقاومة الفلسطينية، وقتل المئات
من عناصرها، إلا أن ذلك لا يُمكن اعتباره انتصاراً، ذلك أنه أثبت للمنظومة العسكرية
والأمنية أن الجناح العسكري في هذه القوى المسلحة تحول من مجرد خلايا متناثرة إلى قوة
عسكرية منظمة، تتقن إدارة حرب العصابات.
كما تأكد للإسرائيليين بعد مرور 4 سنوات أنّ المقاومة
الفلسطينية عملت الكثير، واستثمرت الأكثر في التفكير ببناء قوة عسكرية، وبذلت جهودًا
جبارة في تحويل أجنحتها العسكري لما يُشبه الجيش النظامي، من ناحية التركيبة والعتاد
العسكري، ولذلك ينصح صناع القرار في تل أبيب بعدم الشك أوْ التقليل من قدرة هذه القوى
على استيعاب الدرس، واستنتاج الملاحظات والعبر والدروس.
ولذلك فإن هذه القوى المسلحة، وبعد مرور هذه السنوات
الأربع، وكما اتضح في المواجهة العسكرية الأخيرة "عمود السحاب"، عملت بشكل
مكثف على زيادة ترسانتها العسكرية من ناحية، وتنظيم جيشها من الناحية الأخرى، وبدلاً
من "التبجح" بأن قوة الردع ازدادت بعد الحرب، يصبح واجباً على المؤسسة العسكرية
والمنظومة الأمنية أنْ يفهموا أن الجيش الإسرائيلي قد يكون انتصر في المعركة، لكنه
ما زال بعيدًا جدًا عن الانتصار في الحرب ضد الفلسطينيين!
مع العلم أنه من الناحية العملياتية، فإن مرور
4 سنين على عملية (الرصاص المصبوب)، تؤكد القول إن هذه العملية احتاج فيها الجيش الإسرائيلي
للعمل في واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية، إزاء منظمات ومسلحين يعملون من
داخل مناطق آهلة مدنية غير مشاركة، مع إطلاق نار على مناطق مزدحمة وحيوية في
"إسرائيل".
ولذلك شهدنا في السنين الأخيرة زيادة المنظمات الفلسطينية
المسلحة لقوتها، وزيادة لقدراتها النارية مائلة المسار في جميع المعايير: بالكمية والمدى
والقدرة على الدمار وقدرات الدقة آخر الأمر، وتطورات هذا التهديد قد توجب على الجيش
الإسرائيلي أنْ يطور ردًا مناسبًا لحالة تنشب فيها جولة مواجهة عنيفة، كما حصل في حرب
الأيام الثمانية.
يضاف إلى ذلك حالة الإدراك بأن وضع "إسرائيل"
الاستراتيجي لا يُمكن جيشها من إحراز تغيير عميق يُبطل التهديد كليًا، ومع عدم حل سياسي
للصراع، يجب أن يقدم الرد العسكري عنصرين أساسيين:
1- العنصر الأول:
بناء الردع من جديد بدل ذاك الذي انهار مع نشوب الحرب، ليتم تأخير المواجهة القادمة
سنين، ويتم إحراز هذا العنصر بضربة قوية تُسدد للفلسطينيين، وتتركه يواجه مسارات إعادة
بناء طويلة.
2- العنصر الثاني:
مضاءلة مدة القتال، ومقدار الضرر الذي سيصيب "إسرائيل" أثناء القتال، من
خلال مداورة سريعة وقوية في مناطق إطلاق النار، مع استعمال نار موجهة ضد مصادر تهديد
الصواريخ الفلسطينية، وفي النهاية القدرات الدفاعية السلبية والفعالة، لتحسين القدرات
على التحمل، وإعادة البناء السريع للجبهة المدنية.
ولذلك فإن نشاط الجيش الإسرائيلي في ميدان القتال
الجنوبي- قطاع غزة- يوجب القتال في مناطق مزدحمة، واستعمال النار، والحاجة لمداورة
في هذه المناطق، مما يتطلب منه بناء تصور نظري ملائم يُمكنه أن يصيب المسلحين أبلغ
إصابة، مع مضاءلة الأضرار بغير المشاركين في القتال.
وهنا يستمع صناع القرار العسكري الإسرائيلي إلى
بعض من الدروس المستفادة من قبل الخبراء العملياتيين بالقول إن حرب غزة السابقة
2008-2009، التي وقعت في مثل هذه الأيام قبل 4 سنوات، أظهرت أن الجيش الإسرائيلي يعمل
بطريقة ذات عدة مراحل.
ختاماً، يمكن القول إن الإسرائيليين، وهم يحيون
هذه الذكرى السنوية للحرب، باتت لديهم قناعات متزايدة بعدم تجاهل القوى الفلسطينية
المسلحة البارزة، عند الإقدام على محاولة ترتيب أوراق المنطقة بعد الحرب الأخيرة على
قطاع غزة، لأنها رغم الضربات الموجعة غير المسبوقة التي تلقتها فإنها بقيت وصمدت، وخرجت
من بين الركام والرماد كـ"طائر الفينيق"، وأدارت مفاوضات جيدة لوقف إطلاق
النار.