كلام في هدنة غزة
بقلم: إبراهيم المدهون
عبر صفحتي على الفيس بوك طرحت سؤلا للجمهور، حول
مدى قبولهم وتأييدهم لهدنةٍ متوسطةٍ ما بين 7-10 سنوات بين حماس وإسرائيل، مقابل رفع
الحصار وتدشين ميناء بحري تجاري؟ وكانت الإجابات مفاجئة من حيث كثافتها ونوعيتها حيث
وافقت الغالبية العظمى من المستطلعة آراؤهم على عقد هدنة في غزة بقيادة حماس، حتى أن
منهم من استحث حماس وطالبها بهدنة تصل لسنوات أكثر، حتى ينعم أهل غزة بالأمن والهدوء
ويزاولوا أعمالهم ويعيشون حياتهم كباقي الناس، ويرممون أضرارهم جراء الحصار الممتد
والحروب المتوالية.
الهدنة ليست الحل الأمثل من وجهة نظري، بل قد
تكون نتيجةً اضطراريةً بعد حصارٍ طويلٍ وانقسامٍ مرير، وللأسف نحن أمام فشل ذريع للمصالحة
التي وُقعت في الشاطئ، وهنا أحمِّل حماس جزءاً من مسؤولية الفشل، فتساهلها الكبير في
اتفاق الشاطئ وتنازلها المفاجئ عن الحكومة وبهذه البساطة فُهم بشكلٍ خاطئ، وفتح شهية
الرئيس عباس لاستكمال عناصر الحصار والضغط والتنصل من أي التزام لا يقوم على سحق وإبعاد
حماس بالكلية.
اليوم هناك فراغ واضح في قطاع غزة بسبب تنصل حكومة
الوفاق الوطني، وعرقلة دمج الموظفين واستمرار الحصار وتوقف عجلة الإعمار، وهذا يؤدي
لحتمية ملء الفراغ من قوى قادرة ومقتدرة، وحماس بما تمتلك من جماهيرية وتاريخ نضالي
وثقة كبيرة وقوة سياسية وأمنية وعسكرية، فهي قادرة مع بعض القوى الوطنية كالجهاد الإسلامي
وألوية الناصر ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة على تعبئة الفراغ الإداري والسياسي
في قطاع غزة.
فحماس ليست تنظيماً أو فصيلاً عادياً، فهي تشكل
غالبية المجلس التشريعي، وحكمت غزة لأكثر من سبع سنوات رغم الحصار والتضييق، وتمتلك
جناحاً عسكرياً وطنياً يحظى بتأييد غالبية الشعب الفلسطيني، ولها عمق إقليمي ويمكنها
لعب أدوار جديدة في ساحة المتغيرات الداخلية والإقليمية.
بالتأكيد الاحتلال ليس سهلا، فهو متمرس في المراوغة
والخداع والتضليل، ولا يقبل منح أي قوة فلسطينية الحياة والراحة بسهولة ويسر، كما أن
حماس التي استطاعت أن تقاتل وتخوض المعارك والحروب في وقتٍ سابق وتصبر لأكثر من 50
يوماً، هي اليوم أقدر وأكثر استعداداً للمواجهة، فلم يعد المحتل يمتلك وحده الخيارات
وأوراق القوة، فهناك معادلات جديدة تعززت بعد الربيع العربي وما نتج عنه، وبُعيد معارك
السجيل والعصف المأكول وامتلاك الشعب الفلسطيني بقيادة حماس لأول مرة القدرة على المبادأة
والمواجهة والصمود، وتحقيق النجاحات العسكرية والتي توجت بأسر الجنود وتصوير العمليات،
واقتحام المواقع براً وبحراً، وهذا يحتم استثمار القوة، بالقفز خطواتٍ سياسيةٍ محكمة،
فالقادر على الحرب قادر على الهدوء، ومن استعد للقتال هو الأقدر على تبني خيارات سياسة
واقعية لها ما بعدها.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام