القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

لاجئون فلسطينيون على قوائم التهجير القسري

لاجئون فلسطينيون على قوائم التهجير القسري

محمود زغموت

تنفيذاً للاتفاق بين الروس والنظام من جهة وفصائل المعارضة السورية المتواجدة في بلدات جنوب دمشق، والذي أبرم بين الجانبين أواخر الشهر الماضي على وقع القصف والمعارك الجارية في مخيم اليرموك ومحيطه، بين النظام وتنظيم الدولة "داعش"، انطلقت عصر يوم الخميس 3-5-2018 أولى قوافل التهجير، والتي تضم خمسين حافلة، تُقل دفعة من المهجرين الفلسطينيين والسوريين من المنطقة الجنوبية، سلكت طريقها عبر معبر بيت سحم إلى طريق المطار، من ثم توجهت إلى الشمال السوري، وذلك بعد عناء شديد وانتظار طويل امتد من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الرابعة عصراً، بسبب اجراءات التفتيش والترتيبات المتبعة. والتي تمت باشراف الشرطة العسكرية الروسية وبتنسيق مع منظمة الهلال الأحمر السوري.

ووفقاً لمراسل مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا فإن حوالي 2000 لاجئاً فلسطينياً كانوا قد سجلوا أسمائهم ضمن قوائم الراغبين بالخروج من المنطقة إلى الشمال السوري خوفاً من التعرض للاعتقال وبسبب غياب وجود أي ضمانة لمن يرغب بالبقاء في بلدات جنوب دمشق.

بعد عشرين ساعة من المسير، وصلت القافلة إلى معبر مدينة الباب شمال حلب، وسط حالة من الارهاق والاعياء والتعب عمت المهجرين وغالبيتهم من النساء والأطفال. رفض الجانب التركي بدايةً دخول القافلة إلى مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" وطالب المشرفين عليها بالتوجه إلى مدينة ادلب، الأمر الذي قابله الأهالي والنشطاء بالرفض، واتهموا الجانب التركي والأطراف التي تسيطر على المعبر بعدم مراعاة أوضاعهم الانسانية والمعاناة التي تكبدوها خلال الطريق، من ثم أعلنوا الاعتصام أمام المعبر ورفضوا المغادرة حتى سمح لهم بالدخول بعد ساعات قليلة. تابعت القافلة طريقها وتوجهت إلى مخيم "دير بلوط" الواقع في منطقة "جنديرس" غرب مدينة "عفرين"، حيث حطت رحالها هناك في غياب شبه تام للمنظمات الأهلية والانسانية، باستثناء منظمة آفاد التي تشرف على المخيم وهي تتبع للحكومة التركية، ومندوبي "هيئة فلسطين للإغاثة والتنمية" الذين كانوا بانتظار القافلة لمحاولة الوقوف على حجم الاحتياجات الانسانية للمهجرين والاسهام ما أمكن بمحاولة تأمينها.

وفي تصريح لمجموعة العمل فيما يخص الأوضاع الانسانية، قال "محمد سعدي" مدير "هيئة فلسطين للاغاثة والتنمية": "انه من المؤسف أن نرى مأساة اللاجئين الفلسطينيين الفارين بأرواحهم من مخيمات اليرموك والحسينية وسبينة إلى بلدات جنوب دمشق، تتكرر اليوم بالتزامن مع الذكرى السبعين للنكبة، لكنها هذه المرة ترتكب تحت شعار المقاومة والممانعة وبمشاركة فصائل فلسطينية، وأكد "سعدي" أنه لاتوجد أي جهة رسمية أو أهلية فلسطينية في الشمال تعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا إلى هناك، باستثناء مؤسسته التي لاتستطيع تغطية كل هذا العدد من المهجرين، بسبب شح الموارد والامكانات المتاحة والاستنزاف الحاصل، محملاً المسؤولية الأكبر لوكالة الغوث "الاونروا" التي يقع هؤلاء المهجرين الفلسطينيين في نطاق ولايتها كونهم لم يغادروا الاراضي السورية، ووعد بأن الهيئة ستبذل مافي وسعها لمحاولة التخفيف من معاناة المهجرين الفلسطينيين والسوريين في المنطقة، وأنها تتحضر لتنفيذ حملة مساعدات عاجلة للمهجرين في المخيم".

وفي سياق متصل وخلال اتصال أجرته مجموعة العمل مع "عبد الجبار شلبي" مدير جمعية "خير أمة" الناشطة في مجال العمل الإغاثي والانساني، والذي كانت جمعيته قد نظمت عدة حملات إغاثية، لاسيما في الايام القليلة الماضية حيث استهدفت بحملتها الأخيرة اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من مخيم اليرموك إلى بلدات جنوب دمشق. أكد "الشلبي" على وجود احتياجات انسانية عاجلة للاجئين الذين وصلوا إلى مخيم "ديربلوط"، مشدداً على أنه بالرغم من تقديم الجانب التركي بعض الخدمات كالخيام والفرش والمياه والطعام، إلا أنها لاتتجاوز الحد الأدنى من الاحتياجات الاساسية للمهجرين، مشيراً إلى وجود شح بالمياه، وعدم توفر الكهرباء، مما يزيد من معاناة اللاجئين في المخيم، كون المنطقة تتسم بارتفاع درجات الحرارة نهاراً، وتدنيها خلال ساعات الليل. وأكد "شلبي" بأن جمعيته ستبذل أقصى ما تستطيع لمحاولة تأمين ما يحتاجه اللاجئين في المخيم، بالتنسيق مع المنظمات الانسانية الناشطة في المنطقة. مؤكداً على أن الجمعية جهزت مشروعاً اغاثياً عاجلاً للأهالي المهجرين إلى الشمال السوري وستقوم بتنفيذه خلال اليومين القادمين على أبعد تقدير. وقال الشلبي أن هناك استجابة وتفاعل مع هذه القضية من قبل بعض المؤسسات الخيرية والانسانية، إلا أنها لاتزال غير كافية، وناشد بدوره المؤسسات الرسمية الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا" وجميع الجهات الناشطة في الحقل الانساني بالتدخل العاجل لمواجهة هذه الازمة الانسانية التي حلت بأبناء الشعب الفلسطيني".

وتعليقاً على عملية التهجير التي طالت أربعة آلاف لاجئ فلسطيني من مخيمات اليرموك وسبينة والحسينية، إلى جانب آلاف السوريين، قالت "فاطمة جابر" الناشطة الفلسطينية في مجال توثيق الانتهاكات والتي تتابع عن كثب قضايا اللاجئين الفلسطينيين في سوريا: "كان بإمكان منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية أن تتعهد بحماية من تبقى من أهالي المخيمات وأن تضمن لهم العودة إلى منازلهم، لكن يبدو أن السلطة باتت أعجز من أن تتخذ موقف كهذا، وهي تنظر لمخيم اليرموك على أنه مجرد ملف عاجل تم تكليف أحمد مجدلاتي بالاشراف عليه، دون ابداء اهتمام ومتابعة حقيقية أو تقديم دعم أو حلول تذكر".

وتابعت بالقول : "لمن يتسائل ويقول بأن التهجير ليس قسرياً إلا للمسلحين الرافضين للتسوية، أقول كيف لا يكون التهجير قسرياً وقد تم التعميم على جميع اللاجئين الفلسطينيين المحاصرين في جنوب دمشق بأنه لا يوجد أي ضمانات لمن يود البقاء. ألا يكفي هذا التصريح لمن عانوا لسنوات تحت الحصار وفقدوا مئات الشهداء والمعتقلين وخسروا منازلهم، ليثبت أن التهجير قسريً؟ حيث جميع اﻹحتمالات السيئة متوقعة بالنسبة لهم؟".

وقالت جابر: "إن "الشيخ العمري" أعطى ضمانات بأن النظام لن يتعرض للمدنيين، لكن من يصدقه الآن، وقد أعطى سابقاً ضمانات مشابهة أثناء خروج المدنيين عن طريق حاجز "علي الوحش" وحصلت المجزرة الشهيرة، حيث وقعت اعدامات ميدانية بحق الفارين من المجاعة في المخيم، وتم التنكيل بهم ومورست بحقهم أفظع اﻹنتهاكات، وقد كانوا جميعاً من المدنيين، نساء وأطفال وكبار في السن، مؤكدةً أن هناك 1200 معتقل أخذوا عن هذا الحاجز ولم يعرف مصيرهم حتى الساعة".

وأكدت جابر أن عملية التهجير قسرية وممنهجة ومعد لها مسبقاً، محملةً المسؤولية للنظام السوري وروسيا والسلطة الفلسطينية وجميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء".

ومن جهته قال الكاتب "يوسف فخر الدين" رئيس مركز دراسات الجمهورية الديموقراطية_ باريس: "انه كما حاصرت سلطة الأسد مخيّم اليرموك، من دون أيّ اعتبارٍ لخطابها الممانع، مستفيدةً من الدعم غير المحدود، بل الموتور، من قبل "فصائل دمشق"، قامت بتهجير آلاف الفلسطينيّين من "اليرموك"، كما هجّرت قبلهم بضعة آلافٍ من مخيّم "خان الشيح".

هذه حقائقُ لا يستطيع أحدٌ إنكارها، وان كانت وجدت فلسطينيّين يضعون لها مبرّراتٍ. وهو ما حصل حينما قامت الفصائل التابعة للنظام السوريّ باجتياح مخيّمات بيروت في النصف الثاني من الثمانينات القرن المنصرم. حقائق لا يغيّر منها اشتراك آخرين مع النظام في المسؤوليّة، ولا أقصد إيران وروسيا المتحكّمين بها، بل أطرافًا من المعارضة المهيمنة، كانت أقلّ من أن تفهم ضرورة بقاء المخيّمات خارج الصراع حينما أطلقت تنسيقيّة مخيّم اليرموك شعار "مخيّم اليرموك ملاذٌ آمن" ولتتبعه بالدعوة لتكون كلّ المخيّمات ملاذًا آمنًا. القصد، إن كانت سلطة الاسد، أو أحد المتحكّمين بها، قد قرّر توريط مخيّم اليرموك في الصراع المسلّح، كون الأغلبيّة فيه انزاحت لإرادة الشعب السوريّ الثائر، ورفضت الاشتراك في قمعه، ولأنّ مخيّم اليرموك رئةٌ للمنطقة الجنوبيّة لا يحاصر إلّا بتحوّل اللاجئين فيه إلى "شبيحة" أو بحصاره معها، فإنّ المعارضة السوريّة تساوقت مع عملاء سلطة الأسد الذين قاموا بالمهمّة وقادوا جماعةً محدّدةً لاجتياح اليرموك.

إذًا، الحديث عن المسؤوليّة متدرّجٌ، كما في كلّ سورية؛ المسؤوليّة أوّلًا على سلطة الأسد التي دفعت البلد كلّه إلى الدمار على أمل البقاء إلى الأبد (حسب شعارها الدائم)، وتاليًا على المعارضة المهيمنة التي تساوقت -بسذاجةٍ، وربّما بعضها لأسبابٍ نجهلها- مع خيار الحرب، وعلى كثرٍ منهم المثقّف الذي تحوّل إلى ناطقٍ إعلاميٍّ للأطراف العسكريّة المتصارعة. ولكن حتى لا ننسى هناك المجتمع الدوليّ، وبخصوص مسؤوليّته الحديث يطول.

يندفع الوضع السوريّ إلى المجهول، ومنه وضع الفلسطينيّين السوريّين، ومنه تهجير اللاجئين الفلسطينيّين من قبل، مثلًا مخيّم "تل الزعتر"، وكما سجّل كثيرون على صفحات التواصل الاجتماعيّ الفاعل بالحالتين سلطة الأسد. ولكنّ التهجير، على مأسويّته، محورٌ من محاور تدمير مجتمعات اللاجئين الفلسطينيّين في سورية، لو توقّف الأمر عنده لكنّا بمصيبةٍ واحدةٍ ولكنّا أمام تدميرٍ كاملٍ لمخيّم اليرموك ومخطّطاتٍ لبنائه بشكلٍ مختلفٍ تمامًا لا يسمح للاجئين الفلسطينيّين بإعادة تنظيم مجتمعهم وفاعليّتهم المستقلّة (التي لطالما كانوا روّادًا بها)، ولا يسمح بإعادة بناء الأسواق وعودة النشاط الاقتصادي.

إذًا، ما نحن بصدده هو إعادة هندسة ديموغرافيّة الوجود الفلسطينيّ في سورية في سياق الجريمة المرتكبة بحقّ الشعب السوريّ (تنظيم "باسيليا سيتي" مثالًا، وقانون رقم 10 الذي يهدف إلى اغتصاب ممتلكات السوريّين المهجّرين، بمن فيهم الفلسطينيّون السوريّون)، وهي جريمة حربٍ سيكون منعكسها هائلًا على حياة السوريّين والفلسطينيّين، وفيها الكثير من الأسبقيّات التي إن سكت عنها المجتمع الدوليّ ستكون وبالًا على الإنسانيّة؛ ومن المفهوم تمامًا أن يعتبر فلسطينيّون كثر أنّ ارتكابها بمجتمعهم له ارتباطٌ بقضيّة فلسطين".

وعن أوضاع المنطقة التي استقر بها اللاجئون الفلسطينيون ومصيرها، قال "بلال سلايمة" الباحث في السياسة الخارجية في مركز ستا للدرسات – أنقرة، في تصريح لمجموعة العمل: "أن مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" جاءت نتيجة للعمليات العسكرية التي قامت بها تركيا بالتعاون مع فصائل الجيش الحر، وكذلك نتيجة للتقارب التركي-الروسي. مؤكداً أن الحكومة التركية تسعى لأن تمثل هذه المناطق نموذجاً لسوريا مستقرة وحرة، بعيداً عن ارهاب التنظيمات أو ظلم النظام السوري. ونتيجة للاستقرار النسبي فإن المنطقتين المذكورتان تشهدا حركة قدوم للاجئين والمهجرين من مختلف المناطق السورية، الأمر الذي أدى لتضاعف عدد السكان، ما يرفع الأعباء على الحكومة التركية، وعلى الجهات السورية المتواجدة هناك، بالإضافة إلى ضعف تجربة الحوكمة والإدارة، وغياب التوافق لدى الأطراف السورية العاملة هناك، على الرغم من محاولات تركيا القيام بخطوات تنظيمية وتوحيدية، من قبيل تشكيل الجيش الوطني السوري. لذلك قد تبقى المنطقتين عرضة لتوترات محدودة وأحداث أمنية على المدى القريب، مع استمرار الاستقرار النسبي، دون حدوث تطورات مفاجئة. أما مستقبل المنطقتين على المستوى المتوسط والبعيد، فهو مرتبط بترتيبات الحل النهائي للمسألة السورية، وإن كانت الجهات التركية أشارت إلى أنها لا ترغب بالبقاء في هذه المناطق أو ضمها لتركيا".

وتابع سلايمة :"هناك محاولة لاستيعاب النازحين من مختلف مناطق سوريا وخاصة القادمين في الفترة الأخيرة من مناطق الغوطة وجنوبي دمشق ضمن المخيمات التي تقوم الجهات التركية وخاصة و"كالة آفاد" بإنشائها. وفي هذا الصدد فإن القدرة الاستيعابية لمناطق درع الفرات قد تم تجاوزها منذ زمن، ولذلك فقد يكون التوجه لاستيعاب معظم القادمين الجدد في مناطق غصن الزيتون والتي يتم العمل فيها على إنشاء مخيمات لاستقبال اللاجئين. مؤكداً أن الجهات التركية ستعمل في منطقة غصن الزيتون على تقديم الدعم الإغاثي والانساني، وكذلك دعم المسيرة التعليمية عبر تأهيل المدارس ودفع رواتب المدرسين، إضافة إلى دعم الإدارة والحوكمة، وتأهيل المنشآت والكوادر اللازمة في مختلف الجوانب الحياتية، وبالتعاون مع الجهات والهيئات السورية المحلية في المنطقة، لاسيما المجلس المحلي لإدارة عفرين والذي تم تأسيسه بعيد مؤتمر عقد في غازي عنتاب التركية".