لاجئون ونازحون وعالقون
بقلم: خيري منصور
قبل ستين
عاماً لم تكن كلمة لاجئ بحاجة إلى أي إيضاح أو إضافة، لأن العرب كانوا يومئذ بفلسطين
واحدة، وبالتالي بلاجئ واحد.
ولم تكن هناك مخيّمات خارج هذا السياق، لكن ما حدث
بعد ذلك كان بعكس الحلم، فبدلاً من أن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى بلادهم تضاعف
عددهم وعدد خيامهم من خلال موجات النزوح عام 1967 واستضاف اللاجئون نازحين من ذويهم،
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ سرعان ما حمل اسم اللاجئ أو المهجر لبنانيون ومصريون،
سواء بفعل حروب تقليدية مع الخصم أو بفعل حروب أهلية. هكذا صدق المثل العربي الساخر
عن عبد المعين الذي يبحث عن معين.
وفي بعض الأحيان تحول اللاجئ إلى ملجأ واللائذ إلى
ملاذ كما حدث في بيروت قبل اجتياحها وتهجير المقاومة الفلسطينية عام 1982. كان للعرب
قواميس ومعاجم أخرى، لأنهم قبل أن يفكروا في غزو بعضهم كما حدث في احتلال الكويت كان
لكلمة الاحتلال معنى واحد ودلالة واحدة، وكذلك لكلمات مثل التحرير والمقاومة..
ومن توقعوا دائماً أن العدو يأتيهم من الغرب جاءهم
من الشرق أو الشمال لأن له بوصلة أخرى لتحديد الجهات غير بوصلتهم الغريزية التي يحركها
هاجس الخوف والبحث عن ملجأ. القاموس القومي الجديد بدأ يضم لاجئين من مختلف أقطار العرب،
فالخيمة لم تعد فلسطينية فقط، والحنين إلى مسقط الرأس لم يعد حكراً على هؤلاء الذين
اقتلعوا من ترابهم عام 1948.
والآن أصبح من حق من يصغي إلى عبارات ذات صلة باللجوء
والتحرير والمقاومة أن يسأل عن الطرف الذي يلجأ أو يحرر أو يقاوم مقابل الطرف الذي
يطرد ويستبد. إنها ثقافة أخرى، غير تلك الثقافة القومية التي تبدو الآن كما لو أنها
فردوس مفقود أو عصر ذهبي ولى، ومن شأن هذا الخلط أن يربك الوعي لدى أجيال عدة بحيث
لا تدري من يقاوم من؟ ومن يحتل من؟
ولكيلا نستخف بهذه الظواهر علينا أن نتذكر مثالاً
واحداً فقط، هو ألمانيا التي شطرها الجدار عقوداً عدة، مما جعل اللغة الألمانية كما
يقول أحد علمائها تنشطر هي الأخرى إلى لغتين، فالأيديولوجيا فرضت دلالات جديدة للمفردات
بحيث لم تعد كلمات مثل وطن وشرطي وعسكري تعني الدلالات ذاتها في الشطرين الشرقي والغربي
من برلين.
والمسكوت عنه عربياً في ما يتعلق بهذه المتغيرات
أضعاف المعلوم، لأن هذه القارة الغارقة ذات شجون غير سياسية، فهي نفسية واجتماعية وثقافية
ونتائجها قد لا تتضح الآن أو في المدى المنظور، لكن المستقبل سوف يشهد تداعيات بالغة
الخطورة في هذا المجال، ففي عاصمة عربية واحدة تجاورت مخيمات عدة بأسماء مختلفة للاجئين
عراقيين وسوريين وفلسطينيين وبعض من الليبيين.
كأن الأمة التي وعدت أبناءها الفلسطينيين بالعودة
أصبحت أمة من اللاجئين، وأدخلت إلى قاموس اللجوء مفردات جديدة من طراز العالقين، أي
الذين علقوا بالجغرافيا والتاريخ معاً، فلا هم هنا ولا هناك.
ونذكر أن بعضاً من هؤلاء عرضوا في المزاد الدولي
لاستضافتهم في البرازيل أو فنزويلا أو كندا لأسباب إنسانية. وما نخشاه هو أن يفرز هذا
القاموس الجديد أطالس بطبعات سايكس بيكوية منقحة.