لاجئون ونازحون .. ومنبوذون أيضاً
بقلم: أمين أبوراشد/ هولندا – لاهاي
لا يختلف اثنان على وصف الواقع المعيشي المؤلم الذي يحياه اللاجئون الفلسطينيون، النازحون من مقر لجوئهم (سورية) إلى مخيمات النزوح في الأردن. فإن كنت ممن يصنفون بأنه "لاجئ وفلسطيني" في آن معًا .. فتحت وصفك عدد كبير من الخطوط الحمر التي تعيق حتى تحرّكك من غرفتك بداخل ذلك المخيم في واقع الأمر.
خلاصة توصل إليها وفد "حملة الوفاء الأوروبية لإغاثة النازحين الفلسطينيين" الفارين من جحيم القتال في سورية، خلال زيارته لمخيمي "الزعتري" و"سايبر ستي"، والأول على وجه الخصوص، حيث يزيد طبيعة مكانه الصحراوي الطين غبارًا وظلمة في ظل عدم توفر الكهرباء.
في عملية جرد سريعة لزيارة الوفد الذي قدم من عدة دول أوروبية إلى الأردن، والذي كان اطلع قبلها على أوضاع النازحين الفلسطينيين في لبنان؛ يلاحظ وجود فارق كبير في المعاملة بين النازح (اللاجئ) الفلسطيني والنازح السوري، بحيث تقوم الوكالة الدولية للاجئين بتسجيل النازح السوري وإعطائه رقمًا وبطاقة تفيد الاعتراف به وبوضعه، أما الفلسطيني فلا يسجل ولا يحصل على اعتراف رسمي.
الفلسطيني النازح محروم بل ممنوع من مغادرة المخيم، ولا يحق لأحد بكفالته للخروج منه ولو لساعات، كما أنه محظور عليه الزيارة في زنزانته القسرية .. زنزانة عبارة عن صحراء قاحلة محاصرة فوق بحر من الغبار الذي يحوّل الدنيا إلى ظلام عندما يثور. وضع يفتقد فيه النازح الفلسطيني تحديدًا لمرافق صحية وطعام ناضج .. إلى آخره من الاحتياطات الإنسانية الأولية.
يضطر عدد غير معروف من النازحين الفلسطينيين إلى مخيم الزعتري، الذي يضم أكثر من ثلاثين ألف شخص، لتقديم أنفسهم على أنهم من الجنسية السورية، لينقذ نفسه من التفرقة في المعاملة أثناء تقديم اللجوء على الحدود. في حين أن الإحصاءات الصادرة عن الهيئة الخيرية الهاشمية تشير إلى وجود مائة وخمسين عائلة فلسطينية.
في مخيم "سايبر ستي" وجد وفد حملة الوفاء الأوروبية سجنًا مغلقًا، عبارة عن عمارة كانت مهيئة لسكن العمال الصينيين، حيث يقطن فيها أربعين عائلة في غرف ضيقة .. في إحدى تلك الغرف الصغيرة عائلة فلسطينية مؤلفة من تسعة أشخاص.
في ذلك المخيم، أو تلك البناية، لا يحق للنازح الفلسطيني الخروج، ليس لديهم وثائق أو أرقام تعترف بهم كلاجئ "مكرر" .. يحصلون على كوبون كل خمسة عشر يومًا بقيمة نحو خمسة عشر دولارًا للشخص الواحد، يشترون به من بقالة داخل المخيم احتياجاتهم من الطعام .. وبأسعار الأصل أن تكون تفضيلية، بل هي أعلى من ثمن الاحتياجات الطبيعي في الأردن.
ووجد الوفد كذلك حالات أقل من توصل بأنها غريبة، فما بالك بامرأة تحمل الجنسية الأردنية وتبقى في المخيم ذي المواصفات التي تفتقر للحدود الدنيا من الإنسانية .. فقط لأن زوجها لاجئ فلسطيني نازح إلى الأردن لا يحمل الجنسية.
الأم "أم فادي" مثال على هذه الحالة، فهي لديها ولد مصاب بداء السرطان. هي أردنية وزوجها فلسطيني سوري وكذلك ابنها. تقول إن لها أهلًا في محافظة إربد بشمال الأردن، ولكنها مجبرة على البقاء في المخيم لتبقى قريبة من ابنها المريض الممنوع من العلاج لأنه يحمل وثيقة "لاجئ".
الواقع المرير بكل ما للكلمة من معنى الذي يعيشه اللاجئ الفلسطيني "النازح"، يفرض علينا – كحد أدنى- رفع صوتنا للمطالبة بأن تكون المنظمات الدولية ذات العلاقة بحماية هؤلاء الفلسطينيين على مستوى ما يجري من تهديد لحياتهم ومن تفريق في معاملتهم. ولا نغفل هنا واجب "الأونروا"، على وجه التحديد، والمؤسسات الإنسانية، في الوقوف إلى جانب هؤلاء الفلسطينيين، للتخفيف منها، لا سيما وإننا على أبواب فصل الشتاء القارس في هذه الأماكن التي لا تتوفر فيه الحياة الكريمة للبشر.
خطوتنا القادمة في "حملة الوفاء الأوروبية لإغاثة النازحين الفلسطينيين" الاطلاع على واقع النازحين الفلسطينيين من سورية إلى تركيا، ثم الانتقال في خطوة قادمة إلى الداخل السوري للاطلاع على واقع المخيمات الفلسطينية وما تعانيه مع اشتداد الأزمة السورية وتأثيرها على الفلسطينيين.