لامبيدوزا... جرح غائر في جسد
فلسطينيي سورية؟!
ماهر الشاويش
لامبيدوزا... لعله الاسم الذي تكرر
على مسامعنا طوال الفترة الماضية، حتى بتنا نتوجس خيفة عند ذكره؛ فربما لم يكن
الكثيرون من فلسطينيي سورية يعلمون عن هذا الاسم المرتبط بجزيرة على سواحل إيطاليا
أدنى معلومة قبل الأحداث التي عصفت بمخيماتهم وتجمعاتهم في سورية، ولم يخطر على
بال الكثيرين منهم أنه سيكون الوجهة التي يحلمون بالوصول إليها بعد بيع ما بقي لهم
من ممتلكات، أو استدانة المبالغ التي تتيح لهم مكاناً على قوارب الموت.
قوارب الموت، هذا المصطلح الذي أُطلق
على وسيلة النقل التي يستقلها اللاجئ في رحلة مآلها الموت أو الحياة كخيارين لا
ثالث لهما يسيطران عليه على مدار أكثر من عشرة أيام من العذاب والشقاء، في بيئة
تكاد تخلو من آدنى مقومات العيش والأمن.
بعد أجواء المغامرة والمقامرة
بالأرواح والأموال، ونتيجةً لإحدى رحلات قوارب الموت، أضحت جزيرة لامبيدوزا
الإيطالية مؤشراً على أسوأ وأصعب وضع معيشي شهده مخيم مخصص لاستقبال اللاجئين،
ربما في العالم أجمع، ولا سيما أنه أقيم على جغرافيا أوروبية، باعتبار أن أوروبا
حاضنة لمنظمات حقوق الإنسان، وأحد أبرز رافعي لوائها والمنافحين عنها في أوساط
المجتمع الدولي.
سيذكر التاريخ بشيء من العار أنه جرى
تجاهل وجود أعداد كبيرة في المخيم المخصص لتجمع اللاجئين، من مختلف الجنسيات،
أبرزها الجنسية الفلسطينية السورية، حتى أصبح اللاجئون العالقون في جزيرة
لامبيدوزا يعيشون أوضاعاً إنسانية في منتهى الصعوبة؛ بسبب تدني مستوى الخدمات على
جميع الصعد، حيث اضطر جزء كبير منهم إلى النوم في العراء، فضلاً عن تفاصيل موثَّقة
يندى لها جبين الإنسانية جمعاء.
من المهم التوثيق لمحطة اللجوء هذه
التي أفرزها غرق سفينة كانت تُقل لاجئين، معظمهم فلسطينيون، تعرضت لإطلاق نار كثيف
من مجهولين في أثناء إبحارها من مدينة طرابلس الليبية باتجاه السواحل الإيطالية،
حيث كانت تُقل نحو أربعمئة شخص، بينهم أطفال ونساء، وقد غرقت بين مالطا وجزيرة
لامبيدوزا الإيطالية، ما أدى إلى غرق وفقدان نحو مئتين من اللاجئين الفلسطينيين
والسوريين، وما زالت عشرات الجثامين موجودة في السفينة الغارقة منذ ذلك الوقت.
لكن الأهم، في الحد الأدنى، تجاوزُ
تبعات التقصير ونتائجه التي عانى منها اللاجئون، من خلال بعض الإجراءات العملية،
كاتخاذ خطوات نحو المباشرة بعملية لمّ شمل الأهالي الذين ينتظرون، سواء الذين
وصلوا إلى أوروبا، أو الذين ما زالوا في سورية أو غيرها من محطات اللجوء.
ولا بأس في حملة ضغط لانتشال الجثث
التي غرقت، أو الحؤول دون تكرار حوادث الغرق ما أمكن، عبر الحثّ على ترتيبات أمان
وسلامة، وتخصيص فرق إنقاذ للقادمين الجدد الذين ما زالت تتقاطر قوافلهم في ظل
انسداد أفق الحلول على الأراضي السورية وإغلاق معظم دول الجوار لحدودها، وهو سلوك
ـ لا شك ـ مستنكر ومدان ويحتاج إلى وقفة تدفع بقوة تجاه حلحلته؛ فليس مقبولاً أن
تغلق حدود أمام إنسان يفرّ من الموت المحتوم.
كذلك لا بد من كلمة تذكير بتقصير
المسؤول الأول عن حماية شعبنا ومن يدّعون تمثيله الأوحد له، وهنا نقول:
لامبيدوزا... هذه الجزيرة التي مرّ
بالقرب منها الرئيس الفلسطيني محمود عباس سائحاً لممارسة طقوس السياحة السياسية،
في الوقت الذي كانت فيه جثث أبناء شعبه مُسجّاة على شواطئها أوغارقة في عمق
مياهها، وفيما كان هو غارقاً في التفكير بمآلات حماقات غيره عبر تسويقه للانقلاب
العسكري في مصر، دون أن يلقي بالاً أو أن يكترث لجرح أبناء شعبه المشرد؟!
هذا
الجرح الغائر والعميق عمقَ البحار والمحيطات، لا يزال مفتوحاً وينزف في جسد
فلسطينيي سورية، ما يستدعي وقفة جادة تقع على عاتق كل مسؤول من أبناء شعبنا
الفلسطيني، ويستلزم حملة تضامن واسعة عبر إطلاق نداء مناشدة للمؤسسات الإغاثية في
أوروبا لتقديم المساعدة القانونية والإنسانية والسياسية لهذه القضية. فهل من مجيب؟
المصدر: صحيفة السبيل الأردنية