لبنان
كابوس اللاجئين
بقلم:
ثائر غندور
لا
يستأهل خبر كإمكانية حرمان نحو 488 ألف لاجئ فلسطيني مسجّل لدى وكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من السفر، بسبب وقف العمل بجوازات سفرهم، اهتماماً
في الإعلام اللبناني. الموضوع غير معقّد، فقد أعلنت المنظمة الدولية للطيران
المدني (إيكاو) قبل فترة وقف العمل بجوازات السفر المكتوبة بخط اليد، وهو حال جوازات
اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
حتى
الساعة، لا أحد يملك جواباً حاسماً حول سبب تأخّر الأمن العام اللبناني في حلّ هذه
المشكلة. من جهته نقل موقع "لاجئ نت" المهتم بشؤون اللاجئين الفلسطينيين
عن مصادر في الأمن العام، أنّ العمل لإصدار جوازات سفر جديدة سوف يبدأ مطلع عام
2016. يعني هذا أنّ من يحمل وثيقة سفر لبنانية من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين
في لبنان أو خارجه، سيكون ممنوعاً من السفر لمدّة شهر ونصف الشهر على الأقل.
يمكن
أن يخسر البعض وظيفته، أو تُفصل عائلات عن بعضها. كل هذا غير مهم، فهؤلاء لاجئون
لا يملكون كامل الحق بحياة كريمة. هكذا يُفكّر العقل الحاكم في لبنان. هو يترجم
هذه القناعة بسلسلة من الإجراءات المهينة بحق مجموعات من الناس تعيش في لبنان. ولا
تقتصر هذه "الإهانة" على غير اللبنانيين، بل هي تطاول جميع الفئات
المهمّشة في هذا البلد.
منذ
عام 1948، يعيش لاجئون فلسطينيون في لبنان. لم يتغير واقع هؤلاء اللاجئين على مدى
السنوات، لا بل ازداد سوءاً. نحو 210 آلاف لاجئ يعيشون في 12 مخيماً من أصل ما
يزيد على 488 ألف لاجئ مسجّل في لبنان، بحسب أرقام الأونروا. أما العدد الباقي،
فيعيش إما خارج المخيمات أو خارج لبنان. ولا ننسى أن واقع هذه المخيمات مأسوي،
فمعظمها تحت حصار السلطات اللبنانية بحجة الواقع الأمني. حصار يمنع إدخال مواد
البناء ويحد من حركة الأفراد، لكنه في كثير من الحالات لم يمنع حركة السلاح
والمطلوبين من المخيم وإليه. وتعرف المخيمات اكتظاظاً سكانياً كبيراً نتيجة ضيق
مساحتها، ويترافق مع بنى تحتية سيئة، ما يجعل حياة البشر فيها أقرب إلى العذاب
اليومي.
لا
يتوقّف وضع الفلسطينيين المأساوي عند واقع المخيمات. اللاجئون ممنوعون من مزاولة
نحو 72 مهنة مثل الطب والمحاماة والصيدلة وغيرها. وفي دراسة للجامعة الأميركية في
بيروت صدرت عام 2011 بالتعاون مع الأونروا، ظهرت أرقام مخيفة. مثلاً، 8 في المائة
من الأطفال بين 7 و15 عاماً لم يدخلوا المدرسة، فيما نصف الأطفال ما بين 16 و18
عاماً خارج المدارس، بالإضافة إلى أنّ 19 في المائة من العائلات الفلسطينية لا
تُرسل جميع أبنائها للدراسة.
على
صعيد العمل، 56 في المائة عاطلون من العمل. كذلك فإن 66 في المائة من اللاجئين
فقراء، أي أنّهم عاجزون عن تلبية الحد الأدنى من حاجاتهم الغذائية وغير الغذائية
الضرورية. ويُعاني ثلث اللاجئين من أمراض مزمنة، و21 في المائة من الكآبة
والانهيارات العصبية. من جهة أخرى، 66 في المائة من المساكن تشكو من الرطوبة
والنش.
إلى
ذلك، ما زال اللبنانيون المتزوجون من فلسطينيات يواجهون عراقيل إدارية خلال تسجيل
معاملات الزواج والاستحصال على جنسية للزوجة. أما في حالات زواج الفلسطينيين من
لبنانيات، فسُجّل رفض لمنح الزوجة اللبنانيّة الحقّ بإعطاء جنسيتها لأولادها
ولزوجها.
وإذا
كان حال اللاجئ الفلسطيني بهذا السوء، هو الذي يعيش في لبنان منذ أكثر من 60
عاماً، فكيف سيكون حال اللاجئ السوري؟ فقد رفض فريق سياسي لبناني إنشاء مخيمات
للاجئين السوريين "حتى لا تتكرر التجربة الفلسطينية". وهذا ما أدى إلى
استحداث مئات المخيمات الصغيرة غير الرسمية، مصعّباً بالتالي أعمال الإغاثة بحسب
المسؤولين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. من جهة أخرى، أدى
الأمر إلى تعقيد العمل الأمني، ويشير عدد من الضباط إلى صعوبة إحصاء اللاجئين
السوريين ومتابعتهم أمنياً بسبب انتشارهم على كامل الأراضي اللبنانيّة.
يعاني
السوريون من ازدواجية المعايير اللبنانية. اللاجئ المسجل لدى مفوضية اللاجئين، لا
يحق له العمل، لكن في الوقت عينه، يتوجب عليه دفع مبلغ 200 دولار أميركي، بدل
إقامة سنوية. ويخضع كل من هم فوق سن 15 عاماً لهذه الرسوم.
وفي
حال ثبت أنّ هذا اللاجئ يعمل، يحق للسلطات الأمنية الطلب من المفوضية شطب اسمه من
لوائحها، بالتالي يخسر صفة "لاجئ". وفي هذه الحالة، عليه أن يؤمّن كفيلاً
حتى يتمكّن من الحصول على إجازة والعمل.
كذلك،
تعرّض السوريون لموجات من الممارسات العنصرية والاعتداءات الجسديّة التي قد تصل
إلى حد القتل. وتفرض بلدات عدة حظراً على خروج السوريين من أماكن سكنهم منذ ساعات
المساء الأولى. وتعتقل الأجهزة الأمنيّة الرسمية وغير الرسمية أعداداً كبيرة من
السوريين، يُطلق سراح معظمهم لاحقاً، لكن بعد تعرّضهم لسوء معاملة.
تبقى
الإشارة إلى أنّ لبنان يُصرّ على موقفه الرافض للتوقيع على اتفاقية جنيف الخاصة
باللاجئين.
المصدر:
العربي الجديد