لبنان
ما له وما عليه في «صفقة القرن»!
هتاف
دهام
لا يختلف
اثنان على أن التسويق الأميركي لصفقة القرن أو لخطة السلام في الشرق الأوسط، جار على
قدم وساق. فالبيت الأبيض كشف عن خطوة أولى من خطوات الالف الميل في إطار مؤتمر البحرين
المزمع عقده بين 25 حزيران المقبل و26 منه بمشاركة رؤساء حكومات وممثلين بارزين عن
المجتمع المدني وقطاع الأعمال مقابل غياب الطرف الاساس المتمثل بالسلطة الفلسطينية،
وذلك بهدف تحفيز الدعم للاستثمارات الاقتصادية في المناطق الفلسطينية كخطوة أولى لخطة
السلام الخاصة بتسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
ان بنود
صفقة القرن باتت بمجملها معروفة بعد تسريبها وتتصل بتوقيع اتفاق ثلاثي بين
"إسرائيل” ومنظمة التحرير وحركة "حماس" لاقامة "فلسطين الجديدة"
على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، من دون "المستوطنات اليهودية" القائمة،
وسيطرة "إسرائيل” على كامل مدينة القدس على أن تبقى الكتل الإستيطانية بيدها وتضم إليها
المستوطنات المعزولة، مع عدم السماح بعودة اللاجئين بمعنى بقائهم في الاردن ولبنان،
خاصة وأن الولايات المتحدة قررت بالتوازي مع ذلك ايقاف أي تمويل لوكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، علما ان هذا الأمر أثار مخاوف رئيس الجمهورية العماد
ميشال عون الذي ابدى خشيته خلال لقائه الأمين
العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريس ايلول الماضي من أن يكون وراء قرار واشنطن رغبة
في توطين الفلسطينيين في الدول التي لجأوا اليها.
وبينما
يحتدم الصراع في المنطقة، فإن التمهيد لخطة جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس دونالد
ترامب، المتمثلة بتصفية القضية الفلسطينية يجرى بالتزامن مع تشديد الادارة الأميركية
الضغوط والعقوبات والحصار الاقتصادي على طهران. فواشنطن تهدف من سياستها الجديدة
"تركيع" ايران بحجة أنها تهددها وتهدد حلفاءها في الاقليم، ما يعني ان هذه
الصفقة اشبه بتشكيل ائتلاف غربي- إسرائيلي عربي لعزل إيران في مرحلة مقبلة، بمعزل عن
إمكانية تحقيق ذلك من عدمه.
وعليه،
فإن لبنان لن يكون بمنأى عن تبعات وتحديات صفقة القرن. وتشدد مصادر مطلعة لـ"لبنان
24" على أن دور لبنان محوري في صفقة القرن، ليس من خلال الشراكة المباشرة إنما
من خلال تلقي التبعات الناتجة عنها. فالحكومة اللبنانية تعيش تحت وطأة الضغط الأميركي
الممنهج عليها والمتصل بالعقوبات على "حزب الله" والوضع الاقتصادي السيء،
إلى حد أن لبنان باتت سيادته مرهونة للمؤسسات الدولية عبر مؤتمر "سيدر" وغيره
مما يسمى بمؤتمرات الدعم. فهريان الدولة وإظهارها كأنها على شفير الإفلاس في توقيت
شديد الحساسية، يحمل في طياته علامات استفهام كثيرة.
وفي
السياق، تتوقف المصادر نفسها عند سعي واشنطن الدؤوب "لأمركة" الجيش عبر الدعم
المالي واللوجستي. فهناك نحو 80 في المئة من تجهيزات المؤسسة العسكرية تأتي من واشنطن،
بالتوازي مع الانقلاب في الموقف الاميركي المفاجىء في موضوع ترسيم الحدود البرية والبحرية
والتنقيب عن النفط من أقصى السلبية الى اقصى الايجابية. فمساعد وزير الخارجية الأميركي
لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد عكس في زيارتيه الاخيرتين انطباعا ايجابياً، على
عكس الزيارات السابقة التي حملت تشدداً أميركياً في ملف الترسيم منسجما مع المطلب الاسرائيلي،
وبالتالي فإن ما تقدم تضعه المصادر نفسها، في إطار التمهيد الممنهج و"سياسة التنعيم"
لقدرة لبنان على تلقف ما هو مطلوب منه في صفقة القرن.
وعلى
هذا الأساس ترى المصادر أن المطلوب من لبنان يتمثل بـ:
- أن
يبقى في حالة دفاع انكفائي تمنع المقاومة أن تكون جزءاً من إسقاط صفقة القرن.
- تامين
صيرورة التواصل مع العدو الإسرائيلي ولو من خلال ايجابيات ملف النفط والغاز.
- إبداء
الجهوزية لتوطين الفلسطينيين كثمن لعدم سقوط لبنان في هاوية مديونية اقتربت من 100
مليار، في اطار خطة ممنهجة ومدروسة، بعدما استوى على ثمرة المعاناة من دون هز العصا
الغربية.
- سحب
الذرائع من لبنان المقاوم حتى لا يبقى لـ"حزب الله" أي مبرر استراتيجي للتمسك
بسلاحه.
وسط
ما تقدم، فإن الحركة الأميركية المكوكية تجاه لبنان والمترافقة مع زيارات بريطانية،
والتي تمثلت بزيارتي وزير الدولة اليستر بيرت وكبير موظفي وزارة الدفاع السير جنرال
نيكولاس كارتر، تأتي في سياق المنظومة الغربية تجاه لبنان التي تحاول تطويعه في خدمة
السياسة الاميركية. وبينما تشكك بعض الأوساط بقدرة الحكومة بمكوناتها كافة على أخذ
المبادرة لمواجهة ما يحضّر للبنان، تشدد المصادر
السابقة الذكر على أن هذه الصفقة اذا كتب لها النجاح فانها لن تكتفي بتوطين اللاجئين
فحسب إنما ستكون مقدمة لبقاء وتوطين النازحين السوريين، ما يعني سقوط لبنان ونهايته،
الامر الذي سيدفع الفرقاء كافة الى توحيد الكلمة لمواجهة المجتمع الدولي والتصدي له
والتمسك باستراتيجية المقاومة خاصة وأن المعنيين على حد سواء يدركون خطر التوطين وأنه
يخدم مشروع "إسرائيل”.