لبنان.. وكبش الفداء الفلسطيني!
بقلم: د. فايز رشيد
الملف الفلسطيني مفتوح على مصراعيه هذه الأيام في لبنان، قوى 14 آذار ترى أن كل مشاكل لبنان سببها الفلسطينيون وسلاحهم داخل المخيمات وخارجها. اشتباكات عديدة وقعت في مخيمي نهر البارد وعين الحلوة، بين الجيش اللبناني وبعض المقاتلين الفلسطينيين المنوطة بهم حماية مكاتب الفصائل فيهما، وحماية معنوية للفلسطينيين ممن يسكنونهما.
الأحوال في المخيمات الفلسطينية الأخرى مكهربة. نقاط تفتيش للجيش اللبناني تتحكم في حركة الداخلين والخارجين إليها ومنها، النقاط تقع على أبواب المخيمات وبخاصة مخيمي نهر البارد وعين الحلوة، أما من يريد زيارة البارد فهو بحاجة إلى تصريح أمني من الجهات الأمنية اللبنانية.
الفلسطينيون متهمون من جهات لبنانية عديدة وبخاصة من قوى 14 آذار بأنهم يؤوون المشبوهين والمطلوبين للدولة اللبنانية، وبأنهم يشكلون ملاذاً للقوى السلفية الساعية لمقاتلة النظام السوري، وبأنهم يعملون على تدريبهم وتهريبهم إلى سوريا، وأيضاً متهمون بأنهم يقومون باعتداءات على الجيش اللبناني، وغيرها من الاتهامات! لذلك فإن هيئة الحوار الوطني اللبناني وفي اجتماعها في 11 يونيو/ حزيران والرابع والعشرين منه قررت تأجيل بحث سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية في داخل المخيمات وخارجها إلى الاجتماع القادم في 24 يوليو، هذا بحسب ما ذكر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بعد الاجتماع الثاني.
غريب هذا الربط المتعمد بين سلاح حزب الله والسلاح الفلسطيني، فلا مقارنة بين السلاحين على الإطلاق، فسلاح الفلسطينيين هو سلاح فردي لحماية الذات ليس إلا، وهو موجود في المخيمات وفقاً لاتفاقيات موقعة بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، منها اتفاق جرى توقيعه في القاهرة، فبعد خروج منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية من لبنان عام 1982 عملياً لم تتبق أسلحة ثقيلة لدى الفلسطينيين.
أما ما جرى في مخيم نهر البارد من اشتباكات بين فتح الإسلام وبين الجيش اللبناني فعملياً تبين فيما بعد أن فتح الإسلام هي على ارتباط وثيق وتابعة بالتمام والكمال لأحد الأطراف اللبنانية، وتحديداً لحركة المستقبل، ولسعد الحريري شخصياً، للاستقواء أمام سلاح حزب الله.
من ناحية ثانية ووفقاً لأنباء كثيرة، فإن لبنان حالياً هو غابة من الأسلحة، هذا إلى جانب ما كشفته أنباء وتحقيقات صحفية كثيرة من أن كتائب عديدة وبأعداد كثيرة تابعة لقوى 14 آذار، تتدرب على الأسلحة في دول كثيرة.
على صعيد آخر فإن مجزرتي صبرا وشاتيلا، والتي قامت بها أطراف يمينية لبنانية بالتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بينّت بما لا يقبل مجالاً للشك أهمية حماية المخيمات من قبل أبنائها وفصائلها الوطنية، ومع ذلك لم يتح للفلسطينيين في المخيمات سوى الأسلحة الفردية فقط، وذلك وفقاً لاتفاقيات مع الدولة اللبنانية كما ذكرنا.
ما تبحثه هيئة الحوار الحالي، سبق وفي جلسات حوار أخرى في عام 2006 أن تقرّر نزع سلاح الفصائل الفلسطينية خارج المخيمات وتنظيم السلاح داخلها.
للعلم، فإنه لا يوجد سلاح فلسطيني خارج المخيمات، فلماذا إصرار قوى 14 آذار على الترويج لوجود أسلحة فلسطينية خارج المخيمات، وربط ذلك مع سلاح حزب الله الذي، وفقاً " للاستراتيجية الدفاعية " التي أعلنها البيان اللبناني، سيبحث الحوار كيفية الاستفادة منه للدفاع عن لبنان؟.
كثيرون من الأطراف اللبنانية يسعون لتوظيف الفلسطينيين في معركتهم ضد النظام السوري باعتبارهم احتياطاً بشرياً وخزاّناً لا ينضب، وباعتبارهم "مرتزقة" ليقوموا بما يمليه عليهم السيد المسؤول الدافع للمال! هؤلاء لا يدركون طبيعة الفلسطيني، وأن سلاحه فقط يرتفع ضد العدو الصهيوني. لقد وعى أبناء شعبنا في مخيمات الشتات في الدول العربية منذ بواكير لجوئهم حساسية التدخل في دول اللجوء "وبخاصة العربية منها" فأخذوا على عواتقهم عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول.
ومنذ اللحظات الأولى لانفجار الأزمة السورية، فإن شعب المخيمات في سوريا بكل قياداته وفصائله قرر عدم الانحياز لطرف على حساب طرف آخر، واعتبر أن الأزمة هي شأن داخلي سوري. في لبنان تحاول أطراف كثيرة استفزازه للزج به في أتون التجاذبات والاستقطابات والمعارك اللبنانية، فلم يستجب أبناء شعبنا لهذه الاستفزازات.
مشاكل الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية كبيرة وكثيرة، مخيم نهر البارد ورغم الاتفاق الفلسطيني- اللبناني على إعادة إعماره، ومن المفترض أن يكون الآن "منتصف 2012"، قد جرى تعميره وإعادة من كانوا يسكنونه إلى بيوتهم، إلا أنه للأسف لم يجر إعمار سوى جزء يسير مما تهدّم نتيجة للقصف، وبالتالي لم يعد سكانه إليه سوى جزء يسير منهم.
أما أهلنا في باقي المخيمات فيعيشون ظروفا حياتية واجتماعية واقتصادية في غاية الصعوبة حيث منازل الزينكو والطرقات الضيقة، والمجاري المفتوحة، والاكتظاظ السكاني، أما الظروف الصحية فحدّث ولا حرج، فخدمات وكالة الغوث هي الأساس وميزانية الوكالة في تناقص مستمر، الأمر الذي يؤثر سلباً على خدماتها في المخيم، إن من حيث المدارس التي تسوء أحوالها عاماً بعد عام أو من حيث الإعانات المتناقصة باطراد، الأمر الذي يجعل من المخيمات الفلسطينية حقولاً للبؤس والحرمان..
معروف أيضاً أن 72 مهنة ممنوعة على الفلسطيني في لبنان، إضافة إلى حرمانه من حق التملك وهو ما يحدد مصادر دخل الفلسطينيين بطريقة مفجعة، الأمر الذي يؤدي إلى تشغيلهم في السوق السوداء "لأنهم مضطرون إلى ذلك" وسط تحكم أرباب العمل في عدد الساعات الكثيرة التي يعملون خلالها "12 ساعة أو أكثر"، وفي الأجرة التي لا تساوي إلا جزءاً يسيراً من حقوقهم مقارنة مع نفس الوظيفة للبناني أو العربي "وكأن الفلسطينيين ليسوا عرباً!" أو الأجنبي.
يخاف إخواننا اللبنانيون من توطين الفلسطينيين في لبنان رغم أن لاجئي شعبنا هناك يؤكدون موقفهم الرافض للتوطين في لبنان أو غيره من البلدان، وأن وطنهم وبوصلتهم الوحيدة هي فلسطين ويطالبون ويؤكدون في كل وقت على حق عودتهم إلى وطنهم وإلى مدنهم وقراهم وإلى بيوتهم وأراضيهم، وما زالوا يحملون مفاتيح بيوتهم و"كواشين" امتلاكهم للأراضي.
نتمنى أن يخفف إخواننا اللبنانيون ظروف العيش على اللاجئين الفلسطينيين، وكفى استعمالاً لهم ككبش فداء لما يحصل في القطر اللبناني الشقيق.
المصدر: العرب أونلاين