لجان المخيمات".. إنتخاب لا تعيين
بقلم: عريب الرنتاوي
خلال الأسابيع القليلة الفائتة، توفرت لكاتب هذه السطور فرصة اللقاءات بعشرات الناشطين والفعاليات في أربع مخيمات هي: الوحدات، مادبا، حطين والحسين...وبمشاركة نخبة طيبة من السادة أعضاء مجلس النواب...حيث جرى التطرق لمروحة واسعة من الموضوعات المتصلة بالبرلمان والانتخابات والقانون الجديد وغير ذلك.
وجرياً على مألوف لقاءات من هذا النوع، وفي هذه الأمكنة بالذات، ومع هذه الشريحة العريضة من المواطنين، فقد جرى التطرق لعدد كبير من الموضوعات والعناوين التي تمس معاشهم اليومي، من صحة وتعليم وجوازات سفر وتعليم عالي على نحو خاص، فضلاً بالطبع عن الخدمات الخاصة بالمخيمات ذاتها.
واحدة من الموضوعات التي جرى التطرق إليها في أكثر من لقاء، يتعلق أساساً بـ"لجان تحسين خدمات المخيمات"، وهي لجان يجري تعيينها (بدل انتخابها) مع أنها تقوم بما يعادل "الخدمات البلدية" في القرى والبلدات والمدن، ولقد سجل كثيرٌ من المشاركين في هذه الندوات، ملاحظات عدة على أداء اللجان وموازناتها، وطريقة "تعيين" أعضائها، والمعايير التي يجري اعتمادها في التشكيل إلى غير ما هنالك، وسط حالة شبه إجماعية على وجوب إعادة النظر، في آليات تشكيل اللجان، واعتماد الانتخاب بدل التعيين في تشكيلها.
هي ليست قضية جديدة تماماً، فقد سبق وأن طُرح هذا الموضوع في غير وقت ومناسبة، ومع مراجع عديدة، وتم نقل الشكوي المتكررة من "المعايير الأمنية الصارمة" التي تتحكم بتشكيل اللجان واختيار أعضائها...لكنها فرصة ونحن على أعتاب انتخابات بلدية وبرلمانية، أن يعاد طرح الموضوع من جديد، علّ مناخات الحراك الشعبي والإصلاح السياسي والربيع العربي، تُفلح في نقل مطالب هؤلاء من مستوى الأماني والتمني، إلى مستوى الممارسة على الأرض.
من وجهة نظر كاتب هذه السطور، ليس ثمة ما يجب أن يحول دون تمكين سكان المخيمات من انتخاب "لجانهم...هم ينتخبون ممثلين للبرلمان، وكثيرون منهم أعضاء يَنتخبون ويُنتخبون في النقابات العمالية والمهنية وفي الأحزاب السياسية، هم مواطنون أردنيون برغم وضعيتهم الخاصة (باستثناء أبناء غزة منهم)...فلماذا لا يصار إلى تمكينهم من انتخاب لجان محلية، خدمية الطابع في الأساس والمضمون؟
ليس في الأمر شبهة "توطين" ولا إلغاء للمخيم كشاهد على اللجوء...ليس في الأمر تعدٍ على البلديات و"الأمانات" وغيرها...ليس في الأمر افتئات على أية "حقوق مكتسبة" لأي جهة...المسألة برمتها، أن سكان هذه المخيمات يريدون أن يكون لهم "رأي" في اختيار وتقرير من "يخدمهم" عبر هذه اللجان، فأين هي المشكلة التي تحول دون إتمام هذا المطلب؟
نعرف أن ثمة "هواجس" من مغبة سيطرة تيار سياسي/ فكري بعينه على لجان الخدمات... لكن هذه "الهواجس" لا تمنع تنظيم انتخابات لنقابة المعلمين، كبرى النقابات وأكثرها نفوذها (على اعتبار ما سيكون)...كما أن "الهواجس" ذاتها، لم تمنع إرادة الدولة بإجراء الانتخابات النيابية أو التصريح بتشكيل أحزاب، وجميع هذه الأطر والمستويات والمؤسسات، أكثر أهمية وحيوية من "لجان" وظيفتها الأولى، خدمية على النطاق المحلي الضيق للمخيم، فهل يعقل أن ينتخب إبن المخيم نائباً في البرلمان، ويحظر عليه اختيار من ينظم شؤون حياته ومعاشه اليوميين؟
ثمة إحساس عميق لدى أبناء المخيمات، بأن "العقلية الأمنية" تصبح أقل تسامحاً وانفتاحاً حين يتصل الأمر بالمخيمات وساكنيها...لكنك تعجب في واقع الحال من المفارقة التي تشدد من جهة إلى هذه الهواجس، وتتحدث من جهة أخرى، عن "هدوء" المخيمات في عام الغليان الشعبي...إنها معادلة يصعب تفكيك ألغازها، سواء لدى من يؤيدون مشاركة المخيمات في الحراكات أو من يعارضون هذه المشاركة.
سمعنا مؤخراً عن اقتراحات بتشكيل "مجلس استشاري" يتكون من خمسين إلى ستين شخصية من المخيم، تختارهم دائرة الشؤون الفلسطينية المولجة بهذا الملف، على أن يصار إلى انتخاب "لجنة تحسين خدمات المخيم" من بين هؤلاء "المُعينين"...والحقيقة أننا نجد صعوبة في زمن الربيع العربي، في "هضم" أفكار تكاد تصبح بائدة في مهدها الأصلي، في دول تضع قيوداً صارمة على تعريف "الهيئة الناخبة" كبعض دول الخليج العربي على سبيل المثال...لماذا كل هذا الحذر، ولماذا كل هذا التخوف وتلكم الهواجس، أليست المخيمات "مُتهمة" بهدوئها الفائض عن الحاجة؟
أدعوا الجميع للتفكير ملياً في هذا الأمر، الحكومة والأجهزة والدائرة المختصة ومجلس النواب، وبالأخص "نواب المخيمات"، لكي تتاح لساكني المخيمات، من لاجئين وغير لاجئين الحرية في اختيار ممثليهم إلى لجانهم، بكل شفافية ونزاهة.
وبالمناسبة، فإن المخيم لم يعد فضاءً خاصاً باللاجئين الفلسطينيين، بعد ان أصبح نقطة جذب اقتصادية واجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة...هؤلاء يجب أن يكونوا جزءا من العملية الانتخابية لاختيار أعضاء اللجان...كما يحق لأهل غزة في مخيماتهم، أن يمارسوا حقاً مدنيا، اقتصادياً واجتماعياً، لاختيار ممثليهم في اللجان المذكورة...في "الديمقراطيات" يحق للمقيم أن يشارك في الانتخابات البلدية، طالما أنه يدفع ضريبة ويسدد فواتير الماء والكهرباء...هذا أمرٌ لا علاقة له بالجنسية والتجنيس، ولا يندرج في خانة "الحقوق السياسية"...هذا أمر "خالٍ" من شبهة التوطين والوطن البديل، التي تجعل كثيرين من أبناء المخيمات يحجمون عن رفع صوت المطالبة بهذا الحق، برغم إيمانهم العميق به، كما سمعنا منهم في أكثر من مخيم وفي غير مناسبة...الموضوع يستحق البحث والمتابعة...فنحن نتحدث عن قرابة الأربعمائة ألف مواطن ينطبق على تصنيف "سكان المخيمات".
المصدر: مركز القدس للدراسات السياسية