القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

لسنا نفْضُل على العرب!

لسنا نفْضُل على العرب!

بقلم: لمى خاطر

لستُ أدري لماذا صرتُ أستشعر أجواء ارتداد زمني كاسح كلّما استمعت إلى تلك المطالبات الفلسطينية النمطية لجماهير العرب بالتحرك لأجل فلسطين أو أي من قضاياها المفصلية كالقدس أو الاستيطان أو الأسرى، خصوصاً حين تأتي هذه المطالبات على لسان (نائحة مستأجرة) تظنّ أن مجرّد جلوسها في رام الله والتنظير منها يعطيها الحق بهجاء عموم العرب وتمثيل دور المظلومية وادعاء قلّة حيلة الفلسطينيين وعدم واقعية مطالبتهم بالنهوض بأعباء انتفاضة جديدة!

صحيح أن الشعب الفلسطيني تقدّم زمنياً على شعوب العرب في ثوراته منذ احتلال أرضه، لكن هذا لا يعني أنه بعمومه احتل مرتبة من الطهورية لا ينازعه فيها أحد، فكما في شعبنا الثائر والمقاوم والمضحي بلا حدود، فإن فيه المفرّط والمتخاذل والجبان بلا حدود أيضا، وكما أن فيه صوراً كثيرة للمعاناة الحاصلة بفعل الاحتلال، ففيه أشكال للانتهازية الرخيصة والخيانة المقنّعة والدجل باسم الوطنية والتجارة باسم الثورة، وهو أمر حاصل لدى كل شعب وعلى هامش كلّ ثورة!

وإن كان النّفر المضحي فيه قد وعى مبكّراً أهمية مقاومته محتل أرضه وعدم الاستسلام لإملاءات واقع الضعف، فإن نفراً مناظراً له في جميع ساحات الأمة يحمل اليوم راية التغيير والتحرير ومقاومة الظلم والعدوان، ولكن لعلّ الأمر تطلّب وقتاً إضافيا ليدرك الأخير أن أنظمته الحاكمة كانت وجهاً عربياً لاحتلال مرير سلب مقدّرات البلاد وجيّرها لصالحه، وخنق الناس وبالغ في ظلمهم وتضييع حقوقهم!

لا أستغرب اليوم حين أرى انخفاض منسوب التعاطف العربي مع القضية الفلسطينية، ولا أرى في الأمر ما يدعو لزيادة وتيرة الهجائيات المصدّرة للعرب، فمن جهة؛ تعدّدت جراحات الأمة كما قضاياها، وما عادت المظلومية حكراً على الفلسطينيين، ومن جهة أخرى؛ فحين تظلّ قضية فلسطين رهينة لدى قيادة بائسة تظهر أسوأ ما في الفلسطينيين علينا أن نتوقع مثل هذا التراجع، ومثلما أن هناك من الفلسطينيين من هاجم الربيع العربي ونعته بالربيع الأمريكي بعد التعقيدات والمطبّات التي اعترضت مسيره، فإن هناك من عموم العرب من يرى في استمرار ارتهان القرار الفلسطيني لدى حفنة من المفرّطين والفاسدين داعياً للزهد بالقضية وانتفاء المحفّز للتضامن معها!

ولذلك؛ يُحسن الفلسطينيون أو نخبه المخلصة إذا ما غيروا من نمطية خطابهم الإعلامي والسياسي، فمثلما أن تعميم حالة الطهورية على جميع الشعب لا تجوز، خصوصاً مع وجود قيادات تخدم عدوّها أكثر مما تحسن لشعبها، فإن الاعتقاد بأن هجاء تقصير الآخرين يُعفي الذات الوطنية من المسؤولية أمر خاطئ أيضا، وينظوي على مخادعة للضمير.

أؤمن دائماً أن تحرير فلسطين لن يتم على أيدي الفلسطينيين وحدهم، وهذا نابع من إيماني بوحدة الأمة في الهم والمصير، لكن الاكتفاء بطلب النصرة من الساحات البعيدة لا يستقيم في ظلّ التشرذم وتعدد بؤر المواجهة واتساع رقعة الجراح، مثلما لا يستقيم معه اعتقاد أنه ما من جهد يتعيّن على الفلسطيني فعله لتجاوز حالة الركود الحاصلة، فليست هذه القيادة التي اختطفت تمثيل القضية قدَرا لنا، ولا تصوّر انعدام إمكانيات النهوض بمواجهة المحتل توجهاً سليماً ومجرداً عن الهوى والمصلحة.

أصلحوا ذات بيتكم وطهروا فناءه من الأعشاب الضارة، وامتلكوا الجرأة والتجرّد لتسمية الأمور بمسمياتها، ولنبذ من يتآمر على فلسطين الأرض والإنسان، تستقِم الطريق ويقترب الهدف من الإنجاز!