القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

لكي لا يصبح محمد مجرد اسم.. ورقم

لكي لا يصبح محمد مجرد اسم.. ورقم

بقلم: سماء ابو شرار

كم كنت أتمنى ألا أسمع أو أتعرف على محمد ابو خضير بالطريقة القاسية التي تعرفت بها عليه، مثلي مثل ملايين من الناس. جاءنا خبر اختطاف هذا الفتى المقدسي ومقتله حرقا وهو لا يزال على قيد الحياة كصفعة جديدة خُيل لنا أننا تعودنا تلقيها من احتلال وحشي ومن أدواته التي لا تقل وحشية.

محمد ابن السادسة عشرة لم يكن معروفا لغالبيتنا. عرفناه بعد استشهاده تماما كغيره من الشهداء الأطفال الذين غالبا ما نجهلهم إلا بعد استشهادهم، فيصبح يوم استشهادهم كأنه يوم ميلادهم، يُعلن فيه نبأ وجودهم بيننا. محزنٌ أن يتم إلغاء حياة إنسان بهذه البساطة فلا يتبقى منها سوى خبر استشهاده والتفاصيل الأليمة التي عادة ما تواكب استشهاده.

لم نعرف محمد ولا غيره من الشهداء الذين سبقوه. لم نعرف كم أخاً وأختاً لمحمد، لم نعرف كيف كانت شخصيته.. إن كان اجتماعيا أو انطوائيا؟ لم نعرف ان كان مشاكسا أو يطيع والديه، لم نعرف ان كان يحب المدرسة أو لا يحبها؟ لم نعرف كيف كان يقضي أوقات فراغه مع رفاقه؟ لم نعرف كيف ستفتقده أمه وإخوته أو أي مستقبل كان يحلم والده له؟

كثيرة هي التفاصيل التي نجهلها عن محمد كغيره من الشهداء الذين سبقوه. كثيرة هي التفاصيل التي ستبقى مجهولة بالنسبة لنا لأن حدث استشهاد محمد كان قاسيا وربما لأن البعض يرى أنها لم تعد ذات أهمية لأنه غادرنا. اقتصرت تفاصيل محمد بالنسبة لغالبيتنا على اسمه وعمره والجريمة التي اِرتكبت بحقه. اختُزلت حياة محمد بتفاصيل قليلة، سمحت لكل منا بأن يرسم صورة ما في عقله ووجدانه لما كانت عليه حياة محمد قبل استشهاده أو كيف كانت ستكون لو بقي بيننا.

كم كنت أتمنى أن أسمع عن قدرات محمد وإنجازاته في الحياة، بدل أن أسمع خبر استشهاده حرقاً. كم كنت أتمنى أن أرى مقابلة مع والدته أو والده يتحدثان عن الإنجاز الذي قدمه محمد في هذا المجال أو ذاك، بدل ان أراهما يتحدثان عن أن دم محمد يجب ألا يذهب هدرا. كم كنت أتمنى أن أشاهد مقابلة مع أصدقاء محمد يتحدثون فيها عن مبادرة ما قام بها محمد من أجل شباب القدس، بدل أن أراهم يشاركون في تشييعه الى مثواه الأخير.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تنجح اسرائيل دائما بأنسنة قتلاها فيصبح العالم كله يعرف تفاصيل حياة هذا الاسرائيلي أو ذاك، لتستدر عطف الملايين من خلال التركيز على حياة هؤلاء الأشخاص، ولا نستطيع نحن الفلسطينيين، الضحايا الحقيقيين في هذا الصراع، أن نقوم بذلك؟ هل نجح جبروت الاحتلال خلال سنوات طويلة من تحويلنا الى أسماء وأرقام لا يعرف العالم عنا شيئا سوى ذلك؟ هل نجح الاحتلال بتجريدنا من إنسانيتنا، فوقعنا في فخ الأرقام والأسماء الذي نصبوه لنا فبتنا نحن نمارسه أكثر منهم ليصبح ذكر الشهيد منا يقتصر على اسمه وعمره وطريقة استشهاده؟

ألا يستحق محمد وغيره من الشهداء أكثر من ذلك؟ ألا يستحق محمد ورفاقه أن نكتب ونتحدث عن حياتهم التي عاشوها وحياتهم التي كان من الممكن أن يعيشوها لو لم يتم اختطافهم باكرا؟ ألا يستحق هؤلاء أن يتعرف عليهم العالم حتى لو كان ذلك من خلال أهلهم وأصدقائهم؟ ألا يستحق هؤلاء أن يعرف العالم أجمع أنهم يشبهون الى حد بعيد أطفالهم وأصدقاءهم؟

بالتأكيد يستحقون ذلك منا. يستحقون منا أن نروي قصصهم للعالم أجمع، يستحقون منا أن نخبر العالم عن أحلامهم وآمالهم وطموحاتهم وعما سيكونون عليه لو لم يُخطفوا باكرا. يستحقون كل هذا وأكثر لأنهم ليسوا أسماء فقط ولا أرقاما فقط تُضاف الى ما قبلها. يستحقون كل هذا وأكثر لتذكير أنفسنا وتذكير العالم بأنه كان لمحمد ورفاقه حياة يعيشون تفاصيلها اليومية بسلبياتها وإيجابياتها قبل أن يقرر الاحتلال إنهاءها.

محمد أبو خضير اسمٌ سيرافقنا لسنوات طويلة مثله مثل كثيرين قبله حُفرت أسماؤهم في قلوبنا وعقولنا لبشاعة الجرائم التي ارتُكبت بحقهم، ولكن ألم يحن الوقت لأن نبدأ العمل على إبقاء محمد وغيره بيننا من خلال الإضاءة على تفاصيل حياتهم التي اختُطفت منهم قبل أوانها؟ ألم يحن الوقت لنستعيد إنسانيتنا التي سُلبت منا من خلال إعادة إحياء إنسانية شهدائنا؟

* ناشطة فلسطينية

المصدر: السفير