القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

لماذا ذهبت السلطة و"إسرائيل" للمفاوضات؟

لماذا ذهبت السلطة و"إسرائيل" للمفاوضات؟

د. عدنان أبو عامر

تعتقد دوائر صنع القرار في (تل أبيب) أن المفاوضات التي بدأت في واشنطن بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين، تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، خصوصاً وأنهما لم يتمكنا من التوصل لاتفاق إطار حول المشاكل العالقة بينهما كالحدود، وتبادل الأراضي، رغم أن الموافقة على إطلاق سراح الأسرى، كانت بالنسبة لرئيس السلطة نقطة مفصلية، ساعدته جدًا في الموافقة على العودة للمفاوضات بعد توقف استمر 3 سنوات.

ولذلك فإن التوصيف الأكثر دقة لما يجري في واشنطن ليس عملية تفاوضية، بل محادثات لتهيئة الفرصة للمفاوضات بين الطرفين، لأن العديد من العقبات ما زالت موجودة، ما يعني أن السبب الرئيسي الذي دفع بهما للموافقة على تجديدها يكمن في خشيتهما من قيام الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي باتهامها برفض المفاوضات، وتحمل عواقب هذا التعنت والرفض.

كما أن قرار الاتحاد الأوروبي بمقاطعة المستوطنات في الضفة الغربية، شكل أحد أهم العوامل التي دفعت الحكومة للموافقة على استئناف المفاوضات، لأنها قلقت كثيرًا من اتساع عملية نزع الشرعية عنها نتيجة صورتها في العالم بأنها رافضة للسلام.

فيما تعرضت السلطة لتهديدات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بوقف المساعدات المالية إذا واصلت الرفض، وبموازاة ذلك، فإن التأييد الكبير الذي منحته الجامعة العربية لعباس، كان سبباً مركزياً لموافقتها على العودة للمفاوضات، لأنّها وفرت له غطاء إقليمياً لخطوات سياسية، كالموافقة على تبادل الأراضي من ناحية المساحة والجودة بشكل متفق عليه.

ومع ذلك، فإنّ الطرفين "الإسرائيلي" والفلسطيني على علم ودراية بأن الفجوات بينهما في المواقف كبيرة جدا، وبالتالي بالنسبة لكل طرف من الطرفين لا يوجد أي أمل في أن يوافق الجانب الثاني على اتفاق يجلب الحد الأدنى من شروطه.

ومن الناحية العملية، فإنّ الإسرائيليين والفلسطينيين تم جرهما لمفاوضات لا يؤمنون بها بتاتاً، وبناءً على ذلك، فإننا أمام عاملين مركزيين: الأول أن الطرفين لن يجتهدا "بالمرة" خلال المفاوضات بهدف إنجاحها، بل إن جل اهتمامهما سيكون قبالة اللاعب الأمريكي، إذ إن كل طرف من الطرفين سيُحاول إقناع واشنطن بأن الطرف الثاني متهم بإفشال المفاوضات، رغم أن هذا الأمر قد يُنتج تليينا في المواقف، لكن من الصعب التصديق، بنجاح المحادثات في الوقت الذي لا يريد الوسيط الأمريكي، أكثر من الطرفين، بنجاحها.

علاوة على ذلك، فإنّ تحديد الفترة الزمنية بـ9 أشهر ستُعطي للطرفين، وبالأخص الطرف "الإسرائيلي" الفرصة للتفاوض من أجل التفاوض ليس إلا، وليس من أجل التوصل لاتفاق، لأن من وافق على المدة الزمنية ليس قادرًا على تفجير المفاوضات، وهو من شأنه أنْ يزيد بإضعاف ثقة الجمهور من الجانبين في المفاوضات، وبالتالي فإن تداعيات هذا الأمر ستكون تأجيل الأزمة بينهما.

كما أنّ إحدى الطرق لمنع الأزمة مع نهاية الأشهر التسعة، أنْ يتوصل الطرفان إلى اتفاق بأنهما لن يتفاوضا فقط على الاتفاق النهائي بينهما، إنما على الخطوات الانتقالية للاتفاق النهائي، مشيراً إلى أنّ هذه الخطوات تشمل تحسين وضع الفلسطينيين، وتقويتهم، من الناحية الاقتصادية بهدف إنشاء البنية التحتية لدولتهم المستقبلية، عن طريق منحهم المزيد من الصلاحيات، والأراضي تحت سيطرتهم الكاملة، وبالتالي فإنّ اتفاقًا من هذا القبيل سيمنح الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي" فرصة مواصلة المحادثات، وتقديم إنجازات أمام شعبيهما.

كما أنّ الاتفاق على قاعدة بدء المحادثات بين الطرفين لا يُشكل خطرًا على الائتلاف الحكومي في "إسرائيل"، لأن الأحزاب اليمينية في الحكومة لن تترك الائتلاف، فزعماؤها يؤمنون بأن المحادثات لن تجلب شيئًا، رغم إمكانية نشوب خلافات داخل الائتلاف على خلفية المواقف المتوقعة خلال الأشهر التسعة القادمة، حتى هذه الخلافات لن تؤدي بأي شكل من الأشكال لتهديد الائتلاف الحكومي.

كما أن أحزاب المعارضة وعدوا رئيس الوزراء "نتنياهو" بمنحه الدعم من الخارج في حال ترك "البيت اليهودي" الائتلاف، والمعارضة الداخلية له داخل حزبه لن تتمكن من العمل ضده، لأنها لا تملك بديلاً له، وبالتالي فإن الطرف الإسرائيلي لا يُمكنه بأي شكلٍ من الأشكال الادعاء أمام أمريكا والمجتمع الدولي بأنه لا يمكنه التفاوض بشكل فعال مع الفلسطينيين بسبب الاعتبارات الداخلية الإسرائيلية.