لماذا يدوم المؤقت في مخيماتنا؟!
بقلم: ياسر علي
خاص/ لاجئ نت
كلما استمعت إلى شهادة عن النكبة، أنهى الشيخ أو العجوز الشهادة بمقولة: «قالولنا خمستعْشر يوم، ومرت خمسين سنة وبعدها ما خلصت الخمستعْشر يوم.. ياااااااااااه ما أطول هالأيام»..
حياة الفلسطيني في اللجوء مؤقتة، نكبته مؤقتة، أصر ويصر دائماً على أن تكون مؤقتة، ويرفض أن يقنع نفسه أنها دائمة، فلا توطين ولا تهجير، ولا حل إلا بالعودة..
ولكن.. هل يبقى في خيامه التي أعطته إياها الأنروا، أم يسعى إلى تحسين ظروفه من أجل نضال ووعي وكفاءة أفضل؟! إن قناعة الفلسطيني التي عششت في الوجدان أن القضية لن تحلّ بهذه السرعة أو بهذه السهولة، جعلته يؤقلم نفسه مع الواقع.
لذلك طوّر الفلسطيني خيمته إلى «برّاكية»، ومنها إلى بيت من الحجر بسقف «زينكو»، ثم بعد الحرب اللبنانية شاع في المخيمات صب الأسقف بالباطون بدل «الزينكو».. ثم تزوج الأولاد، فعمّروا الطوابق، وأصبحت المخيمات غابات من الإسمنت، وباتت الزواريب مسقوفة بجسور تصل البيوت ببعضها أو بشرفات أو بتعديات بناء.. أما الخيار الثاني، فكان الشراء خارج المخيم..
هذه كلها مقدمة للمشهد التالي:
في مدخل مقفل في مخيم البرج الشمالي، قرب المدارس، كانت دورية الجيش اللبناني ترفع تلّة صغيرة بالرمل، كي لا يتم من خلالها «تهريب» مواد البناء «الممنوعة»، وكانت مع الأيام، ومن كثرة ما تدوسها أقدام المارّة، تنخفض التلّة تدريجياً، فيأمل المواطنون بزوالها التلقائي، ولكن ما تلبث أن تأتي دورية للجيش ومعها جرافة صغيرة، فتعيد رفع هذه التلّة..
ربما اقتنع الناس أن هذه التلّة، صارت تشبه النكبة، وتشبه كل القضايا المؤقتة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، لذلك فإن هذه التلّة ستدوم كدوام المؤقت، ولا بدّ من أجل ذلك أن يتم تحسينها للمارة، بدل الأمل بزوالها.
في الفترة الأخيرة، جاء من صبّ عليها كمية من الباطون، وأنشأ شبه درج بسيط للمارة، في سبيل تحسين شروط مرور المشاة ريثما يتمّ حلّ القضية.
لا تتخيل أن هذه الطريق ستتطور لاحقاً، فيتم تحويلها إلى رصيف ومنتزه للمشاة، ولكثرة المشاة ستتواجد عربات الترمس والبزر والفول وغزل البنات، ثم سيفتتح فيها بعض الدكاكين، ومحلات الكوكتيل وكراسي وطاولات الضيافة، الملتفّة حول نافورة ماء ملونة بإضاءة..
ستجد فقط رائحة روث الأبقار والدجاج ومستوعبات الزبالة التي تجاور باب مدرسة الأنروا.. وستجد أن دورية الجيش قد أغلقت هذه الطريق بجدار عزل كما في باقي المخيمات (انظر الصورة)، لكي لا تتسع لأكثر من شخص واحد..
اصحَ أيها القارئ إلى أننا لا نزال نحتاج الكثير، والكثير جداً كي نحسّن ظروف معيشتنا، من أجل استمرار كفاحنا وتوجيهه كلياً نحو فلسطين، بدل الركض وراء اللقمة والعيش والمستقبل.