القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

لمن يسخّنون عين الحلوة؟

لمن يسخّنون عين الحلوة؟

بقلم: أمجد عرار

عندما تحدّث وزير الدفاع اللبناني فايز غصن عن معلومات مؤكدة تفيد بوجود مجموعات مسلّحة سلفية في لبنان، تعالت أصوات تنفي وتندد وتهاجم وترعد وتزبد وتزاود كعادتها وتخلط الحابل بالنابل وتعطي تحليلات تملك من العمق ما تضيق به سباحة نملة. ولم تمض بضعة أسابيع على تصريحات غصن حتى أعلنت أجهزة الأمن اللبنانية اكتشاف واعتقال أعضاء مجموعة بالمواصفات المعلن عنها، مع حديث عن أن مسؤول المجموعة مختبئ في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.

بعض حسني النية والظرفاء توقّعوا أن يبادر هؤلاء إلى الاعتذار لوزير الدفاع عن تشكيكهم بتصريحاته وهجومهم عليه، لكن هؤلاء لم يكتفوا بافتقادهم شجاعة الاعتراف بالخطأ، بل خرجوا علينا بمواقف جديدة مناقضة للمنطق والعقل السياسي، ومنسجمة مع تاريخهم الدموي الأسود الذي أخرجهم من قبضة عقوبته في لحظة زمنية شوهاء وإيجادهم حضناً دفّأه أصحابه لهم خضوعاً لتحالفات غير مبدئية وألاعيب السياسة التي يلجأ إليها من يفتقدون للقيم والمبادئ السياسية من تجار السياسة ومتسلقي الصفقات المشبوهة. تجاوزوا بخبث عن أخلاقية الاعتذار والنقد الذاتي الغائب عن قاموسهم، وراحوا يحرّضون ويدفعون نحو اقتحام المخيم حتى لو أدى الأمر إلى استنساخ معركة "نهر البارد”.

ليس هناك عاقل يؤيّد استمرار اختباء شخص مطلوب للعدالة داخل مخيم عين الحلوة، بل إن كل من يوفّر له الغطاء والحماية والملجأ يتحمّل المسؤولية أمام القانون اللبناني، وقد أصبحت خلف ظهور اللبنانيين والفلسطينيين حقيقة بلا جدال أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وأي دولة أخرى يخضعون للقوانين القائمة، وعليهم أن يحترموا هذه القوانين تحت طائلة محاسبتهم إذا خالفوها أو انتهكوها. لكن مشكلة من هذا النوع لا يصح حلّها بالتحريض والتعبئة والتحشيد والتصيّد وانتهاز الفرصة لتفريغ حقد وكراهية متأصلين في نفوس أشخاص طبعهم غلب التطبّع، فلا هم نجحوا في خلع ثوب الإجرام، ولا أثبتوا أنهم قادة سياسيون بالحد الأدنى للمسؤولية، حتى لو تمكنوا من لملمة بعض المصفّقين لهم لسبب أو لآخر يعكس العقلية نفسها.

عندما يحرّض هؤلاء على اقتحام مخيم فإن الحد الأدنى لما يمكن استنتاجه أنهم لا يكترثون لما يمكن أن ينتج عن الصدام من خسائر في الأرواح في صفوف اللاجئين الفلسطينيين والمدنيين اللبنانيين المقيمين في منطقة مكتظة بالسكان من الجانبين، ولا بما يمكن أن يسقط من ضحايا في صفوف العسكريين من الجيش اللبناني. هذا الأمر غير مستغرب على أمراء الحرب من مدمني المجازر والمتعطّشين للدماء والقتل على الهوية، والغرق من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم في العلاقات مع الصهاينة إبان احتلالهم للبنان قبل وبعد سنة 1982.

لسوء حظ هؤلاء وحسن حظ لبنان، أن الزمن الذي كانوا يشكّلون فيه طرفاً في موازين القوى قد ولى إلى غير رجعة، وأن القوى الوطنية اللبنانية تعرف كيف تجعل هؤلاء مجرد أصوات نشاز وعواء في البرية، وتستطيع أن تصل إلى حلول لكل المشاكل التي تنشأ على أرض لبنان بما فيها المشاكل التي يكون فلسطينيون طرفاً فيها، ذلك أن القوى السياسية الفلسطينية في المخيّمات تتمتّع بحس المسؤولية، وهي تعتبر الوجود الفلسطيني في لبنان عابراً وسينتهي بالعودة إلى فلسطين. وبانتظار تلك اللحظة التي يأملون أن تكون قريبة، هم ضيوف في لبنان.

ومثلما نجحت قوى لبنان الفاعلة في تفويت الفرصة تلو الفرصة على القتلة وخفافيش الفتنة، ستنجح هذه المرة وكل مرة في تجنيب لبنان شرهم وإحباط ما يضمرونه للبنان وفلسطين والأمة خدمة لأعداء الأمة.

المصدر: "الخليج" الاماراتية