لهاية أوروبية جديدة للفلسطينيين
بقلم: صابر عارف
غدا الأربعاء وبعد الغد الخميس ستبدا مسرحية أوروبية
دولية للعب على الفلسطينيين لالهائهم كالأطفال بلهاية المفاوضات والتسويات والحلول
الوهمية الكاذبة وإشغالهم بالأوهام، ولتفريغ طاقاتهم وإمكانياتهم في كل شيء عبثي حتى
لا تنفجر حيث يجب أن تنفجر، فللإعداء خبرة وحنكة لا يجب الاستهانة بها ولا التقليل
من قذارة أصحابها.
ففي أول زيارة لها للشرق الوسط ستجتمع موجيريني
مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي مع الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو يومي الأربعاء والخميس وترى موجيريني أن هناك فرصة سانحة أمام الاتحاد
الأوروبي للقيام بدور أنشط في السعي من أجل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وقالت
في مؤتمر صحفي عقب اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد في بروكسل بحثت خلاله قضايا الشرق
الأوسط "زيارتي الأولى لها مغزى سياسي. ”وأضافت "الاتحاد الأوروبي جاهز وراغب في لعب
دور رئيسي في إعادة إطلاق هذه العملية على أساس حل سياسي ، في غياب مساع أمريكية ،،
كانت إسرائيل قد أفشلتها ،، عينك عينك ،، واسقط في يدي أوباما واستسلم للقدر النتنياهي
الذي فاز بالانتخابات بعد ان تحدى أوباما في عقر داره الكونغرس الامريكي قبل ايام من
الانتخابات الإسرائيلية .
وبهذا تكشف من حيث تدري او لا تدري مسؤولة السياسة
الخارجية الأوروبية عن حقيقة اللعبة الدولية التاريخية منذ نشوء الصراع العربي الصهيوني
التي تقوم ،، اللعبة ،، على الهاء الشعب الفلسطيني بأوهام الحلول المنتظرة منذ ما يزيد
عن 67 عاما لتمكين إسرائيل وتكريس احتلالها . وهذا ما يسمونه بسياسة ،، ادارة الصراع ،، . وذلك بمسرحية التناوب بين
أمريكا تارة وأوروبا تارة أخرى، عندما تكون الأولى غير قادرة على الإمساك باللهاية
وإدارة اللعبة لسبب أو لاخر، وكلها اسباب تتعلق بالتكتيك السياسي والدبلوماسي الذي
يخدم إسرائيل ليس إلا ، أو عندما تكون الإدارة الأمريكية مشغولة في الانتخابات الأمريكية ، والمراحل الانتقالية
للتسلم والتسليم بين الرئيسين .
الدور الأوروبي الذي أكدته العديد من المصادر
جاء بعد ان أعلن الرئيس الأمريكي أوباما عن وصوله الى طريق مسدود قبل وبعد انتخاب نتنياهو
إذ قال بان احتمال التوصل لحل سياسي لازمة الشرق الأوسط بعيدة الآن، مع انه أكد على
ان ما يضمن امن إسرائيل بشكل أفضل هو قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل. وكان
قبل أيام قد اعلن عن تحرك فرنسي تحت عنوان المبادرة الفرنسية التي جوبهت برفض إسرائيلي،
حيث قال مسؤول فلسطيني إن "فرنسا تبحث مع السلطة الفلسطينية ودول عربية، بالتفاهم مع
الإدارة الأميركية، تقديم مشروع تسوية سلمية إلى مجلس الأمن الدولي يقوم على استئناف
المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية قريباً” .
سيبدأ عرض المسرحية غدا ، وليس بعيدا ان يتواصل العرض خلال الأسابيع والأشهر
القريبة القادمة ، من خلال الزيارات والوفود والمؤتمرات ،، ولزوم ما ﻻ يلزم ومتطلبات
الشغل ،، فلكافة الأطراف المعنية بأزمة الشرق
الأوسط مصلحة في ذلك ، فلإسرائيل المتمنعة
مصلحة كبرى بان تظهر حكومتها الأكثر تطرفا في تاريخها وكأنها حكومة سلام من خلال تعاطيها
مع الجهود الكاذبة التي تعرف حقيقتها قبل واكثر من غيرها ، وللسلطة الفلسطينية اكثر
من مصلحة ، ليس اقلها بانها تجد لنفسها عملا تعمله ، فها هي الآن لا تجد ما تعمله وتشاغل
به جماهيرها التي باتت تأكل نفسها وهناك خشية من انفجار داخلي وشيك اذا ما استمر الحال
على هذا المنوال ، وللتمهيد للتراجع الفلسطيني وللقبول بالمشاركة في لعبة ومسرحية التلهي
كان الرئيس الفلسطيني عباس قد أعلن في خطابه السنوي
في ذكرى النكبة الفلسطينية عن ما اسماه بشروطه الثلاثة (وكانه في موقع من يضع الشروط)
للعودة إلى طاولة المفاوضات وهي: وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين قبل
أوسلو وإجراء مفاوضات متواصلة لنصف عام تنتهي بتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال ينتهي
بنهاية عام 2017م
يلاحظ القاصي والداني أن الوضع الفلسطيني برمته
وبكافة مكوناته وفصائله، مؤيدة كانت ام معارضة، يسارية أم يمينية، وطنية أم إسلامية
دخل في غيبوبة طويلة، منذ أن فشل المستسلمون باستسلامهم، من شدة وكثرة انبطاحهم، ومنذ
أن فشل المحاربون في تثبيت انتصارهم العسكري بانتصار سياسي، من شدة وكثرة تعصبهم التنظيمي
والأيديولوجي للإخوان المسلمين. والغيبوبة هذه ليست بفعل فاعل مباشر، أو بفعل وطغيان
أحداث أخرى، داعشية كانت أم غير ذلك، وإنما بسب الخمول والعجز الفلسطيني الظاهر للعيان.
كافة الأطراف الفلسطينية باتت تستسلم للأقدار
وتتعامل مع المرحلة والزمان والمكان وكأنه ليس لها ولا يعنيها بحال. وكل ما تطمح له
البقاء على قيد الحياة واستمرار تدفق أموال الرواتب والامتيازات، لا اكثر ولا اقل وكافة
الفصائل والقوى السياسية تعتبر بانها قدمت ما عليها ، ،، وما بقى باليد حيله ،، وكفى الله المؤمنين شر
القتال .
لا اعتقد باننا نتجنى على احد بما نقول، فجبهة
غزة صامته صمت القبور وتعاني ما تعاني من حصار اشتد بدلا من أن ينفرج بعد الصمود الذي
تفاءلنا به كثيرا، وجبهة الضفة استسلمت لأقدار السلطة التي لا ينطبق عليها شيء اكثر
من ،، القتل في الميت حرام ،، .
إن وضعا كهذا يشكل البيئة والحاضنة الأكثر ملائمة
للخنوع والاستسلام وتقديم التنازلات المجانية، أن لم يكن ملائما لجلب المصائب والكوارث،
ولقد آن الأوان للشعب الفلسطيني أن يكبر وان يتجاوز مرحلة الطفولة التي طالت كثيرا
ويلقي باللهاية وبأصحابها في مزبلة التاريخ …نعم، لقد آن الأوان.
المصدر: رأي اليوم