لهذه الاسباب توجه الرئيس أبو مازن للأمم المتحدة؟!
بقلم: برهان الدين ياسين
في أيلول من العام الماضي، كان الحدث الأبرز وهو ما أسمته السلطة الفلسطينية ورئيسها بـ"استحقاق أيلول" والذي سعت من خلاله إلى نيل عضوية كاملة لدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حينها لم يستطع الرئيس محمود عباس إنجاح المشروع رغم التصفيق الحار الذي ملأ المكان فور إعلانه النبأ داخل قاعة اجتماعات الجمعية العمومية، وذلك لوجود رفض صريح له من الولايات المتحدة الأميركية وعدم حصوله على عدد الأصوات الكافية.
حينها كان لقرار عباس قبول شعبي ودولي فهو حسب ما كان يصرح أنه يهدف من وراء المشروع إلى تحويل السلطة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، فيصبح بذلك الكيان الإسرائيلي محتلاً لأراضي دولة معترف بها دوليا، ومن حقه محاكمته واستصدار قوانين تدينه وتحاسبه، إلا أن القرار حينها رغم التبريرات الكثيرة التي أعلنها عباس أثار جدلاً حول قضية اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات وحق عودتهم، إذ إن الاعتراف بهذه الدولة يعطي الاحتلال شرعية بالتواجد على أراضي 48 والتي هي موطن معظم اللاجئين، ورغم أن شعار الحملة، كان الدولة 194 في الأمم المتحدة حق واستحقاق على أساس أن الجمعية العمومية تضم 193 دولةً، إلا أن الرقم نفسه يرتبط باللاجئين أيضا، فهو رقم القرار الأممي الذي ينص على حق العودة، ليبرز سؤال متجدد، هل الدولة 194 تأتي لتلغي القرار 194 ؟؟ أم هي مجرد مصادفة أرقام ؟!! بعيداً عن أيلول الماضي، ووصولاً إلى أيلول من هذا العام، وتحديداً يوم الخميس في السابع والعشرين منه، يومها قرر الرئيس عباس خوض غمار الأمم المتحدة من جديد، ولكن هذه المرة بسقف مطالب أقل، فقد قدم عباس طلبا لعضوية غير كاملة في الأمم المتحدة، أي بصفة عضو مراقب لدولة فلسطين علما أن منظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها عباس نفسه، هي كيان في الأمم المتحدة بصفة عضو مراقب، وهنا يحق لنا التساؤل، فالعضو المراقب لا يستطيع التصويت أو اقتراح مشاريع، فإذا كانت ذريعة نيل العضوية لمحاسبة الاحتلال على أفعاله.. سقطت.. أما بخصوص إعطاء صفة قانونية لفلسطين كدولة معترف بها، فهنالك 133 دولة في الأمم المتحدة تعترف بالدولة الفلسطينية، وهناك تبادل دبلوماسي بينهما في العديد منها، ففيها سفارة لدولة فلسطين، فهذا الأمر من شأنه أن يزيد من الشكوك حول المغزى الرئيس من هذا التوجه، وما الفائدة التي سيعود بها على القضية الفلسطينية؟. يضاف الى ذلك ما كرره عباس في خطابه بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ولا يمكن لأحد انتزاع شرعيتها، أو ليس هو من ينتزع شرعيتها حين يسعى إلى إيجاد اعتراف بسلطة أعلى منها، وهي الدولة الفلسطينية، وبذلك تصبح منظمة التحرير من غير مهام. إذاً ما المبرر لدولة أن يكون لها سلطتان تمثلانها؟ أم هي رسالة إلى الداخل الفلسطيني بأن من ليس ضمن إطار المنظمة لا يحق له التكلم باسم الشعب الفلسطيني ؟ لن أكثر من التساؤلات والشكوك، فالجواب عنها كان واضحا من قادة الاحتلال، بخاصة ما جاء في كلمة نتنياهو التي عقبت كلمة عباس في الأمم المتحدة حين قال:" إننا نستطيع الجلوس سويا إلى طاولة صغيرة وتسوية أمورنا الداخلية"، أي أن طلب عباس مجاب. حاول عباس مراراً وتكراراً خلال كلمته التأكيد على وجود "دولة إسرائيل"، فقد استخدم هذا المصطلح 27 مرة في محاولة لاسترضاء الجانب الإسرائيلي، إلا أن زعيم اليمين الإسرائيلي المتطرف أفيغدور ليبرمان كان قد فضح الألعوبة كما هي، حين اعترض على خطابي عباس ونتنياهو ما دفع المراقبين للبحث عن خيوط كانت تحاك في كواليس أروقة نيويورك بين عباس ونتنياهو ولم ترض باراك ولا ليبرمان ولا موفاز علماً أن نتنياهو محرج أيضا ومتهم بتقديم تنازلات للجانب الفلسطيني على حساب سلطات الاحتلال. بعيداً عن كل الكلام الإعلامي والتصريحات المبطنة، فإن خطوة تقديم طلب غير كامل العضوية للأمم المتحدة ما هي إلا وسيلة ضغط يتبعها عباس للضغط على نتنياهو للعودة إلى المفاوضات، فهو لديه قناعة أن مفتاح الحل للقضية الفلسطينية تملكه حكومة الاحتلال، وتهديده بالمقاومة الشعبية ما هو إلا تصعيد آخر للعودة إلى طاولة التفاوضات. تسريبات صحفية عدة أكدت عزم نتنياهو إعلان انسحاب أحادي الطرف من الضفة الغربية، إلا أن استعمال نتنياهو لمصطلح أحادي الطرف، أي أنه ينسحب من أرض محل نزاع وليس من دولة قد احتلها، وبذلك لا يعطي الفلسطينيين أي مكسب، بل يظهر للعالم الدولي أنه الرئيس الذي تنازل عن جزء من نزاع لضمان الأمن في الشرق الأوسط. ولا نخفي المأزق الذي يمر به الكيان مع إيران والتهديدات المتبادلة، وعباس مدرك لهذا الواقع فهو يريد انتزاع العودة إلى المفاوضات انتزاعا من الكيان الغاصب، ناهيك عن تعزيز موقفه في الساحة الداخلية في ظل التحركات الداعية إلى رحيله ورئيس وزرائه سلام فياض في ظل تعرقل المصالحة الفلسطينية والنجاح السياسي الذي تحققه حركة حماس مع فوز مرسي وإعادة انتخاب أردوغان. كل ذلك يجعل أبا مازن مضطراً إلى افتعال أي إنجازٍ، حتى ولو كان ذلك اهداءاً من الكيان الغاصب. وعوداً على بدء فمصادفة الأرقام ترافق السيد الرئيس أبو مازن حيثما ذهب، فهذه هي الدورة 67 للجمعية العمومية للأمم المتحدة ويطلب فيها عضوية غير كاملة لدولة على حدود 67 لعل المستقبل وحده هو الكفيل في تبيان ما ستؤول له القضية الفلسطينية، لكن من المؤكد أن العودة حتمية على يد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
المصدر: عين الحلوة