لو طال الغياب (الى مخيم اليرموك)
بقلم: بثينة رشيد
كان حلم الفلسطيني كبيراً، كان خياله شقياً، وكانت الصورة مشعة بضجيج مخيم اليرموك وهو يسير به إليها،إلى فلسطين حيث الحلم الكبير والخيال الشقي..
وها هو الواقع يُفاجئ الحلم ويمزق الصورة ويلقي بها على الوجوه ليكون الحدث الحديث ذكرى أليمة،ذكرى سيختلف الجميع كما العادة على تحليل أسرارها كلٌ حسب اتجاهه وانتمائه، ولكن وفي النهاية سيدرك كل واحد أنَ ما حصل حصل وهو في غيبوبة كبرى، غيبوبة أخذته إلى تكرار نكبته وإلى تذكر جلسات كان اللوم فيها شديداً على أبائه وأجداده... كيف خرجتم ولماذا؟؟؟؟؟!!!!!
والآن يحمل الفلسطيني أحماله الخفيفة ويمضي في شارعه الطويل ويسير ليتعثر بمشاعر الخوف على أولاده..أخوته.. أمه العجوز وأبيه المقعد.. ويسير دون أن يدري إلى أي مدى سيتردد صدى لعناته وتنهداته.. ثم يسير ويمضي في طريق عبَدَه ليبكي عليه ثم يبكي ويبكي عليه فلا تُعينه اللحظة على ترطيب الدموع، ولا تسعفه الذكرى على إيقاف ما يجري.. فتلهث بصمات قدميه وينطوي على حسرته ثم يدوس ليترك حلماً شاكس طفولته على الرصيف ويسير.
وكما الرماد يفترش الفلسطيني على حزنه، وكما العصفور يصحو على يقظته...فها هو من جديد يرى هيئته لاجئاً، يقف على أبواب أسئلته وسخريته.
وها هو من جديد يكرر خطوات نكبته مستغرباً ومستهجناً. فالطائرة والأوجه الغريبة أتت لتجوب حاراته.فيخرج من باب منزله دون أن يتمهل ولو قليلاً.. يغلق الباب وبيده المفتاح وينسى أن يأخذ جدران وحيطان بيته معه، ويهرول متوجماً دون أن يسمح لحلمه القديم أن يسير معه!!!
وها هي الأقلام تكتب والأمم ترفض، وها هو المخيم يتساءل ومن جديد عن سر هذا البغض من آخرين لم يمارس اتجاههم إلاً حياده الإنساني وكان مثالاً للإنضباط والحكمة، وكان باللاوعي يمارس وعياً سبق كل التوقعات، فلماذا يُعاقب ولماذا يُحاسب؟؟؟
وعلى طول الغياب تهوي القلوب،فتشتعل الأسئلة بالحصار، ويستهجن الفلسطيني أسباب هجرته، ويعود للمفتاح سره وتعود للعودة علاتها، فهل تصغر الأحلام كلما كبر العتب؟؟؟.
وعلى طول الغياب يتردد صدى المخيم حزيناً في قلوب أهله، وعلى طول الغياب سيكون لأهله كلاماً كثيراً عن عشقهم لضجيجه وأُنسه ومحبته وتقبله لكل الناس،وسيكون لأهله أقوالاً كثيرة عن ما جرى وكيف جرى.
و أكثر من أي وقت مضى سيخجل أبناء المخيم من أجدادهم , وسيكون لرفضهم طعمٌ آخر، وسيتلون العتب بلغات كثيرة، ولن يصغر الحلم ولو طال الغياب.؟!