مؤتمر فلسطينيي أوروبا.. تجديد للعهد والقسم والوفاء
بقلم: د. أحمد محيسن *
مَثَلُ الفعل في مؤتمرات العودة الفلسطينية في أوروبا هي كمثل زهرة غرست في
البستان الفلسطيني.. فنمت وأنبتت وتفتحت أزهارا، كل زهرة منها بألف زهرة، والشواهد
هنا لا حصر لها في الميادين من الأهل والأصدقاء وغيرهم حيث ولادة المؤسسات الفاعلة
في أوروبا من رحم هذه المؤتمرات وعطائها يبصره الناظرين ويسر المخلصين..
مؤتمر فلسطينيي أوروبا في انطلاقته عام 2003 في لندن وبعدها المؤتمر الثاني
بزخمه وقوته عام 2004 في برلين كان بمثابة صخرة ألقيت في المياه الآسنة فحرّكت بها
الدوائر وصل صداها وتأثيرها المنشود كل أنحاء المعمورة، لتشكّل وقودًا رائعًا لشعب
الجبارين، ويدفع عجلات محرك العودة أماماً إلى فلسطين.
لقد زرعت مؤتمرات فلسطينيي أوروبا في قلوب ووجدان أحفادنا في الشتات بذور الإصرار
على العودة وحب الوطن والإنتماء له والتمسك بكل ذرة من ترابه، فأشعلت في النفوس نار
الإبداع في العطاء المتميز لفلسطين، واعتقد المراقب بأن حق العودة بذلك قد ولد من جديد
.
فعلى الصعيد الفردي فقد شكلت مؤتمرات فلسطينيي أوروبا حافزا تنافسيا عند المخلصين
من أبناء شعبنا وهم يتسابقون في تقديم الأفضل والأرقى والمتميز وهم يطورون آدائهم في
خدمة القضية وحشد التضامن العالمي مع أبناء شعبنا.
أما على الصعيد المؤسسي والتجمعي فقد صنعت واقعا للمؤسسات الحقيقية يحتذى به
وهو يصعد من رقيّ إلى أرقى، وجعلت الغيرة المحمودة عند البعض منها تلملم نفسها وتحاول
الإلتحاق في ركب العطاء وهي تتجه إلى فلسطين.
لقد أضاءت مؤتمرات فلسطينيي أوروبا الضوء على نقاط عديدة كانت مظلمة وغائبة
بل ومنسية في القارة، إن لم تكن مغيبة في الساحة الأوروبية، وجعلت منها منارات تضيئ
الطريق لأبناء شعبنا في الشتات وهم يبحثون عن هداية وضالة للطريق، وأصبحت مخزونًا بل
كنزا من الطاقات البشرية وظفت في خدمة القضية.
إنه من خلال استمرارية العطاء المتميز لمؤتمرات فلسطينيي أوروبا وظهورها بحللها
الجديدة الإبداعية وهي تطور نفسها من عام إلى عام. فقد بان وظهر حجم وكيفية العمل الحقيقي
بإخلاص للقضية الفلسطينية، ولاحظنا حال البعض القاصر عندما يعبرون عن قلّة حيلتهم وعجزهم
بقذفهم المؤتمر بما لا يليق بنضال شعبنا، سيما والبعض منهم موجود في القارة الأوروبية
منذ عقود، وهم يطحنون الهواء ويؤذنون في جرة من تراجع إلى آخر.
ونسجل في الأعوام الأخيرة تلاشي تلك الأصوات التي مارست دوما هواية التقليل
من شأن هذه المؤتمرات، فمنهم من تعافى بصحوة للضمير، ومنهم من لم يجد بعد ما يقوله
للمؤتمر أكثر من المعيار للورد بوصفه أحمر الخدين. ومنهم من كان مدفوع الأجر وتوقف
عندما توقفت الأجور، ومنهم من شاخ وعجز وأصيب بفقدان للذاكرة والزهايمر، وهذا أقل القول
بوصف تلك الحالات.
لقد غرست هذه المؤتمرات الفلسطينية بفعلها وعطائها نصباً تذكارياً لفلسطين في
العواصم الأوروبية وأنجبت بذلك الأداء تيار الإصرار على العودة. تراكم النضال على النضال،
ولن يستطيع أحدٌ بعد اليوم تجاوز هذا التيار الذي فضح مقولة بنغوريون وغولدا مائير
بأن الكبار يموتون والصغار ينسون.
لقد استطاعت هذه المؤتمرات الفلسطينية بفعلها على الأرض بأن تدخل التاريخ من
أوسع أبوابه وهي تتظاهر بطريقةٍ حضارية في أوروبا رغم الصعاب والعراقيل. وهي كالنحلة
تقفز من عاصمة إلى أخرى تشتمُّ طيب الرحيق لتفرز عسلاً طيّب المذاق وفيه شفاءٌ للناس.
وتقيم الحجة على من ينادي بالديمقراطية والعدالة والحريّة. وقد صدعوا رؤوسنا بنظيراتها،
وتطالبهم بتطبيق ما ينادون به وإسقاطه على قضيتنا.
هي مؤتمرات الكل الفلسطيني بامتياز التي تطالب بالحقوق المشروعة لشعبٍ هُجّر
وسُرقت أرضه والعالم المتحضّر عاجزٌ عن إعادة حقوقه له.
لقد صنعت هذه المؤتمرات الفلسطينية مدرسة جديدة في مخاطبة العالم، فعملت بأدائها
ما تعجز عنه بعض الحكومات والأحزاب الحاكمة بأن تجمع كل مكونات الشعب بهذا الحجم والعدد
والعُدَّة من كل الشرائح في مكانٍ وزمان واحد في القارة الأوروبية، لتوصل رسائل عديدة
في كل الإتجاهات ولكل من يعنيه الأمر، بل وللعالم بأسره!
كل الإحترام والتقدير لكل من ساهم وعمل وسهر على إعداد وإنجاح هذه المؤتمرات
التي ابتدأت بالفكرة التي دعتها الحاجة لتصبح نظرية وإيمان بها، وتطبق على أكمل وأجمل
وجه، بجهود كل المخلصين من أبناء شعبنا.
ولا نريد التطرق لحجم الجهود التي تبذل طواعية وباندفاع منقطع النظير من أطفالنا
وأمهاتنا وبناتنا وأخواتنا وإخوتنا ومن شباب فلسطين، وهم يوصلون الليل بالنهار عاملين
منجزين، وهم يحضّرون ويعدّون ويشرحون ويتواصلون أكثر من 500 شخصية بلجان العودة منخرطون
اليوم في السويد والدنمارك وهم يتقاسمون الوظائف لإنجاح المؤتمر. وسبقتهم في العام
الماضي بذلك برلين بجهود ملائكية وترى أجواء فلسطينية كفاحية مرسومة بحروف الوطن فلسطين
تجتاح البيوت والمراكز والجمعيات واللقاءات والإجتماعات على مدار الساعة.
فقد بكت العيون أثناء اللقاء وتعانقت الأرواح في برلين، عندما سجّلنا في العام
الماضي في مؤتمر فلسطينيي أوروبا الثالث عشر ما لم يكن متوقّعًا تسجيله، وسطرنا ملحمة
برلين التي انتصر فيها الحق على الباطل وكشفت به عوراتٌ وتساقطت أوراق التوت عنها،
وهي نفوس ستبقى تعاني الويلات جراء خذلانها للمؤتمرين في برلين من أجل فلسطين.
وغدا ملتقانا مالمو السويدية في المؤتمر الرابع عشر لفلسطينيي أوروبا، علم الحرية
مرفوع يسلم من ساعد إلى ساعد، ليبقى خفاقًا عاليًا يرفرف في سماوات الحرية، حتى التحرير
والعودة وسنبقى نردد ما ردده من قبلنا صاحبنا المغدور رحمه الله يا جبل ما يهزك ريح،
يرونه بعيدًا ونراه قريبا.. وإنا بإذن الله لمنتصرون.
* كاتب فلسطيني