"مئة
عام" على النكبة الفلسطينية!!
بقلم: هاني حبيب
مرّ إحياء ذكرى
النكبة السادسة والستين، كما كل عام، لم تشهد هذه الذكرى أي جديد أو ابتكار أو
فكرة غير متكررة، القدرة على إبداع طريقة أكثر تميزاً لإحياء هذه الذكرى ـ الجريمة
تجاوزت الأجيال التي أعقبتها، أقول ذلك، وأنا أتصفّح بعض الأخبار التي يتم تداولها
حول كيفية احتفال العالم في ذكرى مائة عام على الحرب العالمية الأولى، فهذه ذكرى
متميزة وبحاجة إلى إحياء متميز، انقلاب في طريقة التعامل مع التاريخ وانقلاب على
الأفكار المحفوظة المكررة عن ماهية التاريخ، فهل التاريخ يصنعه المنتصر؟! أم يصنعه
الأقوى، أم لا هذا ولا ذاك، فالتاريخ يكتبه من لم يحظ بفرصة بلوغ أحداثه، من
مؤرخين ومراجعين ودارسين، وإذا كان كذلك ـ فرضاً ـ فعلى ماذا يستند هؤلاء لكتابة
التاريخ.. هنا يكمن الانقلاب في الفكرة المبدعة، هذا العام، ستفتح دار المحفوظات
الوطنية في بريطانيا أرشيفها للعامة، متضمناً رسائل الجنود أثناء الحرب، تلك
الرسائل التي لم تبلغ المرسل إليه، لأن الرقابة احتجزتها بسبب توفر معلومات ذات
صبغة أمنية، في هذه الرسائل ـ الشخصية تماماً ـ معلومات حقيقية عن مجريات هذه
الحرب، بعيداً عن نفاق الساسة، وتبعية وسائل الإعلام، فأصحاب هذه الرسائل كانوا
أبعد من أن يسوقوا معلومات بقدر ما كانوا يهدفون إلى تناول حقائق من منطلقات
شخصية، لذلك من المتوقع أن تتحول هذه الرسائل إلى تاريخ حقيقي لبعض وقائع تلك
الحرب التي يرويها الساسة ووسائل الإعلام في ذلك الوقت.
الحرب التي
نتحدث عنها، هي تلك التي غيرت وجه التاريخ المعاصر، وهي كانت مجرد حرب، لم تدرك
أطرافها أنها ستتوسع لتصبح حرباً عالمية، وكانت بنظر المؤرخين في ذلك الوقت، آخر
الحروب، لكنها لم تكن كذلك، إذ باتت تعرف بالأولى، بعدما قامت الثانية، واتخذت تلك
الحرب التي نتحدث عنها رقماً بعد حوالي عقد من بدايتها، ورغم الحرب العالمية
الثانية، إلاّ أن الحرب الأولى، كان لها التأثير الأكبر على تغيير خارطة العالم
السياسية، وإذا ما تجاوزنا خصائصها العملياتية، باعتبارها أول حروب الخنادق،
وبداية استخدام الدبابات والأسلحة الكيماوية، إذا ما تجاوزنا ذلك، فإن هذه الحرب
هي التي أنهت حكم الأرستقراطيات الأوروبية الناجمة عن تداعيات الحروب الصليبية،
وكذلك تاريخاً لسطوع النازية وبواكير الثورة البلشفية، ولعل الأهم من ذلك كله،
بروز الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى، إذ انها لم تشارك في هذه الحرب مشاركة
فعلية، الأمر الذي أدى إلى أن الدول الأوروبية، على جانبي تلك الحرب، المنتصرة كما
المهزومة، فقدت قدراتها الاقتصادية والتمويلية، لحساب بروز أميركا، الأمر الذي أدى
إلى اعتماد الدولار بدلاً عن الذهب كمعادل للتبادل التجاري والنقدي على المستوى
العالمي.
لكن لا يمكن
الحديث عن تلك الحرب، العالمية الأولى، من دون التعرف على آثارها المدمرة على
القضايا العربية عموماً، وقضية فلسطين بالدرجة الأولى، على الأقل في مجالين؛ الأول
عبر اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت مغانم الحرب على المنتصرين، بريطانيا وفرنسا،
وكان هناك تقسيم البلدان العربية بينهما، علماً أن المفاوضات بين فرنسا وبريطانيا
حول تلك القسمة، لم تكن كما انتهت إليه فعلاً فيما بعد، إذ ان فلسطين كانت من نصيب
فرنسا باستثناء مناطقها الشمالية حتى حيفا، لكن بريطانيا كانت قد أصرت على أن يكون
انتدابها لفلسطين وبأي ثمن، وتبين فيما بعد، أن هذا الإصرار، يعود إلى نوايا
بريطانيا في منح فلسطين كوطن قومي لليهود، فبعد عام من سايكس بيكو، كان وعد بلفور،
وهو المجال الثاني والأهم لارتباط نتائج الحرب العالمية الأولى بالنكبة
الفلسطينية. وكان يمكن أن يظل وعد بلفور طي الكتمان، لولا أن نتائج الحرب العالمية
الأولى أدت إلى سقوط القيصرية في روسيا، وقيام الاتحاد السوفياتي، حيث عثر على
وثائق وعد بلفور لدى الخارجية القيصرية، وتم الكشف عنه عام 1918، أي بعد عام واحد
من تاريخ الوعد، لولا ذلك، لما أمكن التعرف على الدور البريطاني في قيام دولة
إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني.
لتلك الحرب
أوجاعها العربية، فالعرب هبوا لمساعدة الحلفاء ضد الاستعمار العثماني، لكن لم
يحصدوا سوى وعود لم تنفذ، الوعد الوحيد الذي تحقق هو وعد بريطانيا لليهود في
فلسطين، مقابل وقوفهم إلى جانب بريطانيا تحديداً، والحلفاء عموماً، ومن تاريخ تلك
الحرب وتداعياتها، يمكن القول إن العرب، منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ما زالوا
يراهنون على وعود، لن تتحقق، وان العرب آخر القوميات التي لا تستفيد من تجاربها التاريخية.
تلك الحرب،
كانت العامل الأساسي في تغيير عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة، هذه الأخيرة وبعد
تأسيسها إثر الحرب العالمية الثانية، بدأت مشوارها بعد ثلاث سنوات بالاعتراف بدولة
إسرائيل، رغم قرار التقسيم الذي اتخذته هي ذاتها، لكن ذلك، أيضاً، أدى إلى قيام
ثورة يوليو المصرية عام 1952، والتي فجرت تاريخاً جديداً للقومية العربية من دون
أن تنجح في تغيير خارطة سايكس ـ بيكو.
الحرب العالمية
الأولى، بعد مائة عام من اندلاعها، لا تزال هي الحدث الأبرز والأهم على صعيد كل ما
يجري في العالم هذه الأيام، وفي القلب منه، استمرار النكبة الفلسطينية!!
الأيام، رام الله