ماذا تبقى من حدود 1967؟
بقلم: ناجي صادق شراب
في الوقت الذي يستمر فيه الفلسطينيون بالتمسك بخيار الدولتين، فإن "إسرائيل” تستمر في بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي الفلسطينية التي تقع داخل حدود الدولة الفلسطينية، وتجزئة الأراضي الفلسطينية إلى "كانتونات” تحول دون قيام دولة متكاملة جغرافياً، ومن ثم سكانياً، وهو ما يؤكد رؤية "إسرائيل” لرفضها قيام الدولة الفلسطينية، والاكتفاء بمناطق أو سلطات من الحكم الذاتي. وهي بهذه السياسات تلغي أي إمكانية لتحديد حدود الدولة الفلسطينية. والمعلوم في أدبيات الدول أن الحدود المتواصلة إقليمياً هي أحد أهم أركان الدولة، لأنه في نطاق هذه الحدود تمارس السيادة، وبذلك "إسرائيل” تنفي وجود أول عنصر من عناصر الدولة، وثانياً إلغاء العنصر الثاني من عناصر الدولة، وهو عنصر السيادة بزعم الأولوية للاعتبارات الأمنية "الإسرائيلية”، والتمسك بالحدود الأمنية التي تلغي أي وجود لسلطات حقيقية لأي دولة فلسطينية، أو حتى سلطة فلسطينية.
ويبقى العنصر البشري مجرد رقم، إذ تتحول الحكومة إلى مجرد حكومة خدمات، وبنفي عناصر الدولة الداخلية تلغي "إسرائيل” الشخصية الداخلية، وتحاول أيضاً أن تلغي الشخصية الخارجية لهذه الدولة من خلال التحكم في شكل علاقاتها الخارجية، وفي شكل تحالفاتها، وفي مستوى تسلحها واقتصارها على النواحي الأمنية الداخلية المقيدة. وهذا ما يفسر لماذا تصر "إسرائيل” ومعها الولايات المتحدة على عدم ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لتثبيت وجود دولتهم دولياً، والإصرار على خضوع الدولة الفلسطينية للمفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية”. وأي مفاوضات بشأن الدولة الفلسطينية ستأخذ في الاعتبار الواقع الاستيطاني والأمني الذي فرضته "إسرائيل” ويحول دون قيام أي دولة فلسطينية، أو على أدنى تقدير قيام دولة ولكن من دون حدود. لقد كان من المفترض وفقاً لاتفاقات أوسلو أن تقوم الدولة الفلسطينية في العام،1999 وهنا يقع الخطأ الجسيم على الجانب الفلسطيني الذي رهن نفسه لعملية المفاوضات إلى أن خلقت "إسرائيل” واقعاً على الأرض يصعب معه قيام الدولة الفلسطينية، أو ما أكده مايكل فروند المساعد السابق لنتنياهو في مقال له في جريدة "جيروزاليم بوست” وهو أن الخط الأخضر وهو حدود ما قبل 1967 بدأ يختفي وتزول معالمه من على الأرض بسبب شبكة الاستيطان الحلزونية التي تجعل "إسرائيل الكبرى” حقيقة واقعية، مؤكداً أن الخط الأخضر مات ودفن، ولم يعد له أي وجود أو معنى سياسي. وفي هذا التصور تبقى الدولة الفلسطينية من دون حدود أو بحدود مؤقتة، وهنا تكمن خطورة فكرة الحدود المؤقتة، ودولة أيضاً بلا صلاحيات سيادية، وهذه هي الدولة التي تريدها "إسرائيل”، وهي الدولة التي تتعارض تماماً مع الدولة التي يريدها الفلسطينيون، أو التي سيتم قبولها في الأمم المتحدة في حال الاعتراف بها، وليس مهماً هنا صفة الدولة غير الكاملة، لأن سبب عدم اكتمال الدولة هو الاحتلال، حيث تقع مسؤولية إنهاء الاحتلال على المجتمع الدولي، والأمم المتحدة هي المسؤولة عن تنفيذ قراراتها في نهاية المطاف، وبالتالي معنى قبول فلسطين دولة كاملة أو غير كاملة هو أن الاستيطان "الإسرائيلي” الذي يقع في داخل الأراضي الفلسطينية سيبقى غير شرعي، ويشكل انتهاكاً واضحاً لحقوق دولة عضو في الأمم المتحدة. والسؤال المطروح هنا: على من تقع مسؤولية عدم قيام الدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال "الإسرائيلي”؟ بعيداً عن مسؤولية "إسرائيل” المباشرة، تقع المسؤولية الأولى على الفلسطينيين، غير المتفقين على خياراتهم، ولا يستطيعون الاستمرار في أي خيار، إما بسبب عدم قدرتهم أو بسبب فقدانهم الرؤية السياسية الصحيحة، وأخيراً بسبب حالة الانقسام السياسي التي تجذرت في البنية السياسية والمجتمعية الفلسطينية، والتي انعكست على الخيارات الفلسطينية وتأرجحها بين خيار المقاومة الذي بات محكوماً بالحسابات الإقليمية العربية، وخيار المفاوضات الذي بات مرهوناً أيضاً بإرادات الدول العربية والدولية، وحيث إن الإرادة الفلسطينية والعربية تفتقد القدرة على التأثير في سياسات وقرارات الدول الأخرى، وخصوصاً الولايات المتحدة المتحكمة بمستقبل بوصلة الصراع العربي "الإسرائيلي” كما نجحت "إسرائيل” في الاستفادة من حالة الضعف الفلسطيني والعربي، لتستمر في سياساتها الاستيطانية وتغيير معالم الأرض بما يصعّب معه قيام الدولة الفلسطينية، في الوقت الذي تظل فيه مطمئنة لعدم صدور أي قرار ملزم من مجلس الأمن بسبب "الفيتو” الأمريكي. المسؤولية تقع على الفلسطينيين أولاً، لأنهم لم يذهبوا إلى خيارات الشرعية الدولية في وقتها، ولم يحسنوا تفعيل خياراتهم الداخلية وخصوصاً خيار المقاومة المدنية الشاملة.
وكما يرى الكاتب الأمريكي اليهودي نورمان فينكلشتاين وهو المعروف بدعمه للقضية الفلسطينية أن الخيار الوحيد والفاعل لقيام الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام هو تعبئة الشعب الفلسطيني في مقاومة سلمية مدنية، وأن تبنى هذه الاستراتيجية التي أثبتت فعاليتها في الأسرى الفلسطينيين الذين أضربوا عن الطعام، وبدعم من الشعب الفلسطيني، وبدعم من القوى المدنية في العالم، هذه الاستراتيجية الشاملة هي الكفيلة بخلق تأييد من الرأي العام العالمي، وكفيلة بخلق قوى ضغط دولية متزايدة على "إسرائيل”، وهي الاستراتيجية نفسها التي تم تبنيها في نموذج جنوب إفريقيا، وأخرجت نيلسون منديلا من سجنه لتحوله إلى رئيس لدولة واحدة بمواطنيها من السود والبيض. من دون هذه الاستراتيجية سيبقى الفلسطينيون أسرى لسلطة وحكم ناقصين، ويدورون حول خياراتهم في حلقة وحركة مفرغة
المصدر: جريدة الخليج الإماراتية