القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

ماذا حين يعترف بيريز باغتيال عرفات؟!

ماذا حين يعترف بيريز باغتيال عرفات؟!

بقلم: ياسر الزعاترة

لم نكن في حاجة لاعتراف بيريز باغتيال دولته المجرمة للرئيس ياسر عرفات رحمه الله، لاسيما أن الأمر كان يتعلق بالرجل الأهم في الساحة الفلسطينية. رجل كان يحظى بقدر من الحماية من الوضع الدولي والعربي، خلافا لقادة آخرين اغتيلوا ويعلم الجميع قاتلهم، سواءً أكان ذلك باعتراف رسمي كما هي حال العمليات المباشرة في الداخل ضد القادة والرموز (قادة حماس الكبار وقائد الجبهة الشعبية مثالا)، أم العمليات الخارجية التي قد يعترفون بها بعد حين (اغتيال خليل الوزير) أو يسكتون عنها كما هي حال الكثير من العمليات، فيما يعطون إشارات غير مباشرة في بعض الأحيان مثل اغتيال عماد مغنية والمبحوح وعدد من قادة المقاومة في الخارج.

الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني كانت تدرك أن عرفات قضى مسموما على يد الإسرائيليين بتورط فلسطيني لم تُحدد معالمه بدقة إلى الآن، لكن قادة السلطة فضلوا تجاوز الأمر؛ لأن مصلحتهم تتطلب تجاوزه والمضي في برنامج مختلف؛ بعد مرحلة من المناكفة مع الراحل وصلت حد كسر العظم، وصولا إلى محاولة انقلاب عسكري بتوقيع دحلان ودعم عباس.

لولا تحقيق الجزيرة الشهير لما فتح الملف من جديد رغم أن الاعترافات باغتياله كانت أكثر من واضحة، وأشهرها بطبيعة الحال ما كشفه الصحفي الإسرائيلي المعروف (أوري دان)، وهو الإعلامي الأكثر قربا من شارون، وأورده في كتابه "أسرار شارون” الذي صدر عام 2007. وفيه يقول (دان) إن شارون قد تحلل في 14 نيسان عام 2004 من وعده لبوش بعدم التعرض لعرفات، وفي اللقاء الذي عقد بينهما في البيت الأبيض، قال شارون لبوش، إنه لا يعتبر نفسه ملزما بالوعد الذي منحه له خلال لقائهما الأول بعد فوزه في الانتخابات، وهنا رد بوش قائلا "ربما من الأفضل إبقاء مصير عرفات بيد قوة عليا، بيد الله” ، فأجاب شارون "ربما يجب أحيانا مساعدة الله”. وعندما سكت بوش اعتبر شارون أنه "تحرر من عبء ثقيل”، والعبارة الأخيرة للصحفي الإسرائيلي.

اليوم يخرج الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ليقول ذلك صراحة، ويبدو أنه اعترف ثم عدل عن ذلك، فالمقابلة التي ورد فيها الاعتراف أجرتها صحيفة نيويورك تايمز قبل 4 أشهر ولم تنشرها، ثم عادت ونشرتها الأربعاء، ما يشير إلى ضغوط على الصحيفة لعدم النشر، وقد أوردت الإذاعة العبرية بعض ما ورد في المقابلة، بل أهمه، وهو الاعتراف الصريح بتنفيذ عملية الاغتيال، حيث قال بيريز "ما كان ينبغي اغتيال ياسر عرفات”، مضيفا "أظن أنه كان بالإمكان التعامل معه، ومن دونه كان الوضع أصعب وأكثر تعقيدا”.

الآن، وفي ظل تحقيقات لا زالت تجري بشأن الجريمة، فإن التحقيق لم يعد مهما، لأن الاعتراف سيد الأدلة كما يقال، لاسيما حين يأتي من رئيس الدولة، وليس من شخصية هامشية، ما يَطرح سؤالا على قادة السلطة يتعلق بما ينبغي عمله بعد اعتراف يُضاف إلى تحقيق الجزيرة الذي كان واضحا في كشف الدليل، ولم تكن ثمة حاجة للمزيد.

وإذا جئنا لسؤال الإنكار، فهل سيعجز الكيان الصهيوني مثلا عن إنكار علاقته بالجريمة في حال تم كشف البولونيوم في رفات الراحل، ومن يمكنه إثبات أن المادة قد جاءته من مصدر إسرائيلي، وهل يكفي القول إنها لا تتوفر إلا في دول بعينها ليكون دليلا على ذلك؟!

حين يكون الذئب ماثلا أمامنا، فإن من العبث أن نواصل ملاحقة الأثر، والكل يعرف أن الصهاينة هم المجرمون، لكن السؤال الأكبر الذي لا يجيب عنه القوم ولا يحققون فيه بشكل مقنع هو المتعلق بهوية من أوصلوا المادة إلى جسد الرجل. أليس هذا الجزء من التحقيق هو مهمة قيادة السلطة إذا كانت جادة في كشف الحقيقة؟!

لقد قلنا من قبل إن قيادة السلطة الحالية التي ورثت عرفات هي التي مهدت الأجواء لاغتياله بعد عرض نفسها كبديل عنه أكثر مرونة، لاسيما أنها لم تكن تتردد أبدا في إعلان موقفها الرافض للكفاح المسلح، بل كان محمود عباس يحمِّل ياسر عرفات صراحة المسؤولية عن "الكارثة” التي ألحقتها انتفاضة الأقصى بالشعب الفلسطيني.

ثمة حقيقة مهمة تجدر الإشارة إليها هنا، وهي أن الاحتلال الصهيوني قد دأب منذ عقود على إعادة تشكيل هرمية الفصائل الفلسطينية والتأثير في سياساتها عبر سياسة الاغتيال والاعتقال، وليس ثمة عبثية هنا، لاسيما فيما خصّ اغتيال القادة.

لقد فعلوا ذلك مع كل الفصائل، وفي مقدمتها فتح وحماس والجبهة الشعبية، من دون أن يعني ذلك تشكيكا بالقادة الآخرين، لاسيما في الفصائل الكبيرة التي يمكنها تعويض القادة، رغم أن هناك قادةً ليس من السهل تعويضهم، وهو ما يفسر اغتيالهم لإرباك وضع التنظيم، ولو لبعض الوقت.

نسأل أخيرا: ما هو ردهم على اعتراف بيريز؟ الجواب: لا شيء. إذ سيواصلون التأكيد على أنهم ضد انتفاضة ثالثة، ومع المفاوضات والتعويل على الضغوط الدولية، وبناء الدولة العتيدة (تحت الاحتلال) إلى ما شاء الله، مع أملنا ودعائنا بأن نرى صحوة فلسطينية عامة تهيل التراب على هذا المسار العبثي وتختط طريقا آخر يوجع العدو ويفرض عليه التنازلات.

المصدر: الدستور، عمّان