القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

ما الذي تقدمه "القائمة المشتركة" للفلسطينيين؟

ما الذي تقدمه "القائمة المشتركة" للفلسطينيين؟


بقلم: يزيد صايغ

استحوذ بروز "القائمة المشتركة"، وهي ائتلاف يتكوّن من أربعة أحزاب عربية، كثالث أكبر حزب في الكنيست في الانتخابات الأخيرة في إسرائيل، على قدر كبير من الاهتمام، ليس أقلّه بين الناشطين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وخارجهما. وهذا يرجع جزئياً إلى نجاح "القائمة المشتركة" الملحوظ في توحيد التيارات المتنوّعة والمتناقضة إيديولوجياً التي رفضت في السابق العمل مع بعضها بعضاً.

بيد أن ما يوازي ذلك في الأهمية هي استراتيجية المشاركة التي أفصحت عنها القائمة، والتي تقتضي تحدّي حكومةً إسرائيليةً تتبنّى أجندة قومية متطرِّفة في تمييزها ضد الفلسطينيين، من خلال البحث عن القواسم المشتركة مع الأحزاب اليهودية حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على المجتمعين. فيتمثَّل هدف القائمة بالتأثير في صوغ السياسات وتحقيق التغييرات الملموسة في حياة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، بدل الانزواء في "غيتو" دائم من المعارضة والتهميش القسري.

توفّر مقاربة المشاركة التي اعتمدتها "القائمة المشتركة" نموذجاً للعمل السياسي للفلسطينيين في أماكن أخرى، سواء تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية أو في منافي اللاجئين. بيد أنها تبرز أيضاً التناقضات والتوتّرات الكامنة في المقاربة الفلسطينية على مدى الأعوام الاثنين والعشرين التي مضت على اتفاق أوسلو، والتي جمعت بين سياسة المشاركة وسياسة عدم الاعتراف والمقاطعة تجاه إسرائيل في مزيج مرتبك أدّى إلى نتائج عكسية في كثير من الأحيان.

من جهة، اختارت منظمة التحرير الفلسطينية المشاركة الاستراتيجية مع إسرائيل في العام 1993. ومنحت "اتفاقات أوسلو" المنظمة قبولاً واسعاً في المحافل الدولية، حيث كان عرفات يفاخر بكونه أكثر زعيم أجنبي يتردد على البيت الأبيض، على سبيل المثال. غير أن الأهم من ذلك أنها منحت الناطقين باسم منظمة التحرير الفلسطينية والناشطين وصولاً مباشراً غير مسبوق إلى المجتمع ووسائل الإعلام في إسرائيل، ما عزّز معسكر السلام هناك.

في الوقت نفسه، واصلت منظمة التحرير الفلسطينية حضّ السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية على مقاطعة انتخابات بلدية القدس الكبرى التي تسيطر عليها إسرائيل. كانت هناك حجة سياسية واضحة لمثل هذا الطلب. ذلك أن المشاركة كانت تعني ضمناً الاعتراف بالسيطرة الإسرائيلية، وبالتالي إضفاء الشرعية عليها. لكن هذه السياسة تنازلت عن أي نفوذ قد يملكه السكان الفلسطينيون المحليون للتحكم في حياتهم الخاصة، الأمر الذي سمح لحزبي "العمل" و "ليكود" والأحزاب القومية الدينية الإسرائيلية بالسيطرة على المجلس البلدي للمدينة وإدامة الإهمال الصارخ للخدمات والبنية التحتية والإسكان في الأحياء العربية. وبالتالي تلاقت المعدلات المرتفعة للفقر والبطالة وتعاطي المخدرات الناجمة عن ذلك مع السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تقييد إقامة الفلسطينيين في القدس، وتعدّيات المستوطنين اليهود القاسية لتشجيع الفلسطينيين على الخروج من المدينة. فسياسة عدم المشاركة سهّلت ما عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تحقيقه لجهة "تهويد" المدينة.

تبنّت منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً موقفاً متناقضاً تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بعد العام 1993. فقد كانت تدعوهم أحياناً إلى "التصويت للسلام" من خلال دعم حزب "العمل" الإسرائيلي في الانتخابات العامة، بيد أنها كانت تفضّل تجنّب اتهامها بالتدخّل في السياسة الداخلية الإسرائيلية. وبالتالي فلم تستثمر قدراً كبيراً من رأسمالها السياسي في توحيد الأحزاب العربية كي تصبح قوة سياسية أكثر فعّالية داخل إسرائيل، رغم أن ذلك كان يمكن أن يساعد في التأثير على الرأي العام الإسرائيلي وتجسير الهوّة بين المجتمعين ودعم عملية السلام.

أدّت المقاربة المختلطة التي تبنّتها منظمة التحرير إلى إضعاف موقفها التفاوضي من دون أن تكتسب مزيداً من الشرعية الداخلية، كما يتضح من سوء سمعة السلطة الفلسطينية حالياً. غير أن حركة "حماس"، منافستها الرئيسة، لم تحقق قدراً أفضل كثيراً من النجاح، رغم مزاعمها التي تشي بغير ذلك. فهي لا تزال تلتمس الشرعية بين الفلسطينيين بادّعاء أن استراتيجيتها في المقاومة المسلحة كانت أكثر فعّالية من ديبلوماسية منظمة التحرير الفلسطينية، في حين توائم نفسها تدريجاً مع حلّ الدولتين للصراع مع إسرائيل. وعليه فإن حقيقة أن "حماس" لا تزال تقترح التحرّك صوب التوصّل إلى تسوية من دون التفاوض مباشرة مع إسرائيل أو الاعتراف بها تعيد إنتاج المقاربة العاجزة المتمثّلة بالمشاركة وعدم المشاركة بصورة انتقائية.

لقد وصلت هذه المقاربات إلى طريق مسدود. وتوفّر المحاولة الجارية من جانب منظمة التحرير الفلسطينية لإقامة الدولة الفلسطينية عن طريق التدخّل الديبلوماسي للأمم المتحدة والانضمام إلى الهيئات والمعاهدات الدولية مثل "المحكمة الجنائية الدولية"، صيغة بديلة للعمل والضغط السياسي. الأمر نفسه ينطبق على الحركة القاعدية لمقاطعة البضائع والمؤسّسات الإسرائيلية. كلا الأمرين جدير بالثناء باعتبارهما يشكّلان مقاربة سلمية لبناء تضامن وضغط دوليين. ولكن لكي تكون المقاربة فعالة حقاً لا بدّ لها من أن تُستكمَل بمشاركة سياسية مباشرة أيضاً.

من الواضح أن المشاركة ستتّخذ أشكالاً مختلفة بالنسبة إلى الهيئات التي تهيمن على السياسة الوطنية الفلسطينية خارج إسرائيل، والمتمثّلة بحركتي "فتح" و "حماس" وبالسلطة الفلسطينية. "القائمة المشتركة" تعمل على أرض الوطن، ضمن السياسة والمؤسّسات الإسرائيلية، وبالتالي فإنه يصعب على اللاجئين الفلسطينيين في المنفى، ومن يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى من يعيشون في القدس الشرقية، تقليد السبل المتاحة لها لممارسة النشاط السياسي والمشاركة والتأثير. لكن لا يزال تكييف وتطبيق مقاربة "القائمة المشتركة" ممكناً لجميع هؤلاء، غير أن مفتاح ذلك يكمن في إجراء تحوّل أساسي في كيفية التفكير في العمل السياسي.

رغم الحراك الجديد الذي أطلقت شرارته "القائمة المشتركة"، إلا أن الردّ الأكثر احتمالاً من جانب حكومة اليمين الإسرائيلية سيكون هو السعي إلى تهميشها. ولذلك فإن "القائمة المشتركة" في حاجة إلى أن يشارك الفلسطينيون في أماكن أخرى أيضاً في طائفة قوية من الأنشطة المُكمِّلة. وبدورها، يمكن السلطة الفلسطينية وحركتي "فتح" و "حماس" وشبكات اللاجئين الفلسطينيين وجماعات الناشطين في المنفى أن تساعد المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل في كسب النفوذ والتأثير، تماماً مثلما يمكن النجاحات التي حققها المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل أن تدعم الفلسطينيين في أماكن أخرى. بيد أن ثمّة حاجة إلى أن يلتقي الجميع على استراتيجية مشتركة للمشاركة.

المصدر: الحياة