القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

ما الذي يجعل الدولة اللبنانية تحرم الفلسطينيين في لبنان حقوقهم؟!

ما الذي يجعل الدولة اللبنانية تحرم الفلسطينيين في لبنان حقوقهم؟!

بقلم: محمود الحنفي

لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعيشون ظروفاً قانونية وسياسية غير طبيعية، فهم في نظر القانون اللبناني أجانب، ولكن من نوع خاص. وكل القوانين والإجراءات التي اتخذت منذ عشرات السنين، تؤكد أن التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين لا يستند إلى أسس قانونية واضحة. حتى إذا ناقشنا الحجج التي ساقتها وتسوقها الدولة اللبنانية (بكافة مؤسساتها الدستورية)، نجد أنها غير منطقية وغير سليمة. ورغم الإدانة الحقوقية الواسعة لإجراءات الدولة اللبنانية تجاه اللاجئين، إلا أن الأخيرة ماضية في سياستها العامة هذه.

أولاً: التأصيل القانوني

أي دولة عضو في الأمم المتحدة أو طرف في أي اتفاقية دولية لحقوق الإنسان تعتبر ملزمة بحكم النص القانوني أو العرفي باحترام حقوق الإنسان. وكل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقعتها الدولة اللبنانية تمّت برضا وقبول الدولة نفسها، ومرت في الأطر الرسمية (مجلس الوزراء، البرلمان اللبناني، وصادق عليها رئيس الجمهورية..). والأكثر غرابة من ذلك كله، أن الدستور اللبناني، وهو القانون الأسمى في البلاد، قد تحدث بشكل واضح لا لبس فيه، وذكر ذلك صراحة في مقدمته التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور ذاته، أن «لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإِنسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء».

وإن كان ثمة إجراءات وقيود تضعها الدولة، أي دولة، على حقوق الإنسان، فإن ذلك يتم وفق شروط واضحة، منها أن تكون هناك دواعٍ حقيقية ومقنعة، أن تكون مؤقتة، أن تنتهي بانتهاء الأسباب التي دعت إليها، وألا تمس حقوقاً أخرى. وثمة فرق بين التقييد وبين المنع.

ما يجري بالنسبة للاجئين الفلسطينيين هو منع في حقوق وتقييد شديد في أخرى، كما أنه إجراء متواصل لا يستند إلى أسباب حقيقية ومقنعة.

ثانياً: حجج الدولة اللبنانية

هناك نوعان من الحجج التي تساق لحرمان اللاجئين الفلسطينيين؛ حجج اقتصادية واجتماعية، وحجج مذهبية وطائفية.

1. الحجج الاقتصادية والاجتماعية: كأن يقال إن منح اللاجئين الفلسطينيين حقهم في العمل يعني أن تحرم مواطناً لبنانياً من العمل (مهندس، طبيب، محاسب....)، يعني بطالة، يعني تراجعاً في الاقتصاد يعني هجرة. وعندما يُحرم اللاجئ الفلسطيني من التملك يبرر بعضهم بالقول: هذا إجراء صحيح مئة بالمئة، لأنه لا يمكن أن يعيش المواطن اللبناني في الشارع بينما يعيش اللاجئ الفلسطيني في شقة. أو كأن يقال إن منح اللاجئين الفلسطينيين حق التملك يعني أن لبنان كله قد ضاع، لأن اللاجئين الفلسطينيين لديهم إمكانات مالية هائلة ويمكن أن يشتروا كل لبنان، وأنهم مدعومون من المجتمع الدولي في هذه المسألة. ويزيد بعضهم في التحليل بالقول إن تسهيل أمر تمليك الفلسطينيين يعني أننا قد ساهمنا في ضياع لبنان وضياع حق العودة، لذلك على الإخوة الفلسطينيين فهم قصدنا من حرمانهم حق التملك.

2. الحجج المذهبية والطائفية: وهي حجة تلقى قبولاً لدى جمهور من يطلقها. وفلسفة هذه الحجة قائمة على أن منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقهم الإنساني يعني أن ذلك يشكل مقدمة للتوطين، يعني تجنيساً، يعني اختلال التوازن الطائفي والمذهبي، يعني حرباً أهلية، يعني دمار للبنان. لا يدرك هؤلاء حقيقة أن منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم لا يعني بالضرورة تجنيساً، هذه الحجج ضعيفة للغاية، لكنها تلقى قبولاً لأنها حجج غرائزية في العموم.

ثالثا: من يطلق هذه الحجج وكيف تطلق؟

• إن البرلمان اللبناني والحكومة اللبنانية ومؤسسات الدولة كافة موزعة طائفياً على كافة الطوائف. فالقوانين تصدر من البرلمان، والقرارات والإجراءات تصدر عن السلطات التنفيذية. وفي كل هذه المؤسسات هناك خصوم للحق الفلسطيني بالعيش بكرامة. بعض الجهات اللبنانية يتحدث عن هذه الحجج بشكل صريح وواضح، ويمارس هذه القناعة في المؤسسات، بل ويعتبر أن منع اللاجئين الفلسطينيين من التمتع بحقوقهم مسألة وطنية كبرى، تستوجب الاستنفار وبذل أقصى جهد ممكن. والبعض الآخر يُضمر هذه القناعة ويمارسها من خلال وجوده في المؤسسات، جنباً إلى جنب مع من يجاهر الإنسان الفلسطيني الخصومة. لكن ما يؤسف له حقاً أنك تسمع مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية ليل نهار، وشعارات من عيارات ثقيلة تجاه القضية الفلسطينية وتجاه العدو الصهيوني وتجاه القدس، لكن هذه الشعارات لا تتجاوز أعتاب المخيمات. وتلتقي هذه القوى، من حيث المضمون والجوهر، مع من يناصبون الإنسان الفلسطيني الخصومة، اقتصادياً ومذهبياً وطائفياً، سواء بسواء.

• عندما نوقشت مسودة قانون التملك رقم 296/2001، وقف كافة نواب البرلمان اللبناني ضد الإنسان الفلسطيني بشكل سافر، وصدر القانون وحرم اللاجئ التملك. وعندما حصلت معارك نهر البارد في أيار/مايو 2007، أجمعت كافة القوى اللبنانية على ضرورة القضاء على تنظيم فتح الإسلام بغض النظر عن الكيفية، والنتيجة لهذه المعارك دمار مخيم نهر البارد، وتشريد أهله هنا وهناك، بل وتأخير متعمد أحياناً لإعادة إعمار المخيم. لم تبذل أي جهة لبنانية، سواء كانت وطنية أم قومية أم يمينية، جهداً حقيقياً لمنع المأساة بحق سكان مخيم نهر البارد. كل الجهود التي بذلت أو الكلام الذي قيل هو من باب ذر الرماد في العيون.

• عندما نوقشت مسودات تعديل مواد في قانون العمل والضمان الاجتماعي في آب/أغسطس 2010، قامت القيامة ولم تقعد، وصدر التعديل القانوني هذا ليضيف تعقيداً آخر على حياة اللاجئين الفلسطينيين بدل أن يسهل لهم حياتهم. وكانت كافة القوى مجمعة على أن منح اللاجئين الفلسطينيين مسألة خلافية كبرى ويمكن أن تفجّر البلاد، والأفضل أن يتم تأجيل النقاش في هذه المقترحات.

• ما نقصده من كل ذلك أن القوى اللبنانية الكبرى المشكّلة للحياة البرلمانية والحكومية لا ترغب بشكل حقيقي في تحسين حياة اللاجئين الفلسطينيين، وهي غير مستعدة أبداً للتضحية بأي تحالف سياسي هنا أو هناك من أجل سواد عيون اللاجئين المكدسين في المخيمات.

• القوى السياسية الكبرى كلها تؤكد من خلال المعطيات القانونية والسياسية أنها مع بقاء حياة اللاجئين الفلسطينيين على ما هي عليه، وأي تقدّم أو تحسين، حتى لو جزئياً، في حياتهم يعتبر مسألة غاية في التعقيد، وبالتالي تركها أولى.

• مع كل ذلك، فإن العلاقات الاجتماعية مع الإخوة اللبنانيين حتى لو كانوا في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، غالباً ما تكون قائمة على الاحترام والتقدير على المستوى الفردي. وهناك آلاف حالات المصاهرة بين فلسطينيين ولبنانيين.

رابعاً: ما الذي عزز هذه القناعة لدى صانع القرار اللبناني؟

• بات يستند التعاطي الرسمي اللبناني مع اللاجئين في لبنان إلى تاريخ وتجارب، وهو تعاطٍ تراكمي تاريخي وليس لحظياً أو آنياً أو طارئاً، أوجد لدى صانع القرار اللبناني القناعة بأن التاريخ لا يخطئ وأن التراكم صحيح، لذلك لا داعي لتغيير السياسة العامة تجاه اللاجئين.

• ساهمت وسائل إعلام لبنانية بتشويه صورة اللاجئ الفلسطيني والمخيمات الفلسطينية، كون هذه الوسائل مملوكة لأحزاب لبنانية شريكة في صناعة القرار اللبناني (البرلمان، الحكومة، مؤسسات الدولة..).

• غياب الضغط الدولي الجدي على الحكومات اللبنانية المتعاقبة لإلزامها باحترام حقوق الإنسان وفق الالتزامات الدولية، شجّع الدولة اللبنانية على المضي قدماً في حرمان الفلسطينيين، وأوجد لديها قناعة بأنها تسير في تعاطيها مع اللاجئين بشكل صحيح سليم، وأنها تمارس حقوقها كدولة صاحبة سيادة.

• انتقال اهتمام منظمة التحرير الفلسطينية من الشتات إلى الداخل لبناء السلطة الفلسطينية، ومن ثم ضعف التعاطي الرسمي الفلسطيني مع قضية اللاجئين، أوجد لدى صانع القرار البناني القناعة بأن التوطين قادم لا محالة، وأنه ما دام لا يوجد طرف فلسطيني فاعل وقوي فإن الحكومة اللبنانية غير ملزمة بتغيير سلوكها العام تجاه اللاجئين.

• التوازنات المذهبية والتحالفات السياسية والمصالح الاقتصادية بين الأطراف اللبنانية كانت عاملاً سلبياً تجاه اللاجئين، حيث بات كل طرف حريص على هذا التحالف بغض النظر عن الآثار الإنسانية التي تنعكس على حياة اللاجئين الفلسطينيين (قانون التملك عام 2001، إعمار مخيم نهر البارد وآثار أرتوزيا..).

خامساً: مدى صحة الحجج التي تساق لحرمان الفلسطيني حقوقه

• إن أي نقاش سياسي واقتصادي وحقوقي هادئ مستند إلى أسس منطقية، يؤكد بشكل قاطع أن الدولة اللبنانية مخطئة تماماً في تعاطيها مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

• إن الدراسات العلمية الرصينة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأن الإنسان الفلسطيني طاقة خلاقة منتجة مبدعة لو توافرت لها الظروف المؤاتية.

• إن الحرص على حق العودة لا يمكن تبريره بخنق الفلسطينيين والضغط عليهم، لأن الضغط له نتيجتان حتميتان إما الانفجار الاجتماعي أو الهجرة، وفي كلتا الحالتين ثمة ضرر كبير على قضية حق العودة.

• أثبت اللاجئون الفلسطينيون في غير موضع، وفي غير زمان، أنهم مرتبطون بأرضهم وقراهم أكثر من أي مكان آخر (مسيرة مارون الراس في 15 أيار/مايو 2011). كما أثبتوا أيضاً أنهم على درجة من الوعي السياسي. إن منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم مسألة مبدئية من جهة، ومن جهة أخرى تعزز تمسك اللاجئين الفلسطينيين بأرضهم، ومن ثم تحفظ أمن لبنان واستقراره ورفاهيته. فمتى يدرك صانع القرار هذه الحقيقة؟!

المصدر: مجلة فلسطين المسلمة عدد آب 2012