ما بعد غزة؟
بقلم: واصف عواضة
أيا يكن مآل الحرب الاسرائيلية
القائمة، لا يمكن المغامرة بالقول «إن ما بعد غزة لن يكون كما قبلها». ذلك ان
التجارب السابقة والواقع السياسي الفلسطيني والمعطيات العربية والدولية المحيطة
بهذه الحرب على القطاع، لا تشجع على الجزم في هذا المجال، على الرغم من الأداء
الرائع للمقاومة الفلسطينية والاحتضان الشعبي لها طوال ايام العدوان.
بالتأكيد ان التضحيات الجسيمة التي
بذلتها غزة والصمود البطولي للمقاومين، تدفع الى الرهان بحذر على أن «ما بعد غزة
لن يكون كما قبلها». وهذا الرهان معقود على المقاومة، والمقاومة وحدها، بالتعاون
والتنسيق الكاملين مع حلفائها في المنطقة. وهذا يتطلب جملة من الخيارات الحاسمة
التي لا تقبل الجدل:
اول هذه الخيارات، قرار حاسم من
فصائل المقاومة الفلسطينية التي قاتلت في غزة، بالعودة الى خيار الكفاح المسلح دون
سواه، نهجا لاستراتيجيتها في التعاطي مع العدو الاسرائيلي.
ثاني الخيارات، ترتيب البيت الداخلي
الفلسطيني وتحقيق المصالحة الشاملة على أساس مغادرة الرهان على المفاوضات السياسية
مع العدو. وهذا يتطلب قرارا واضحا من منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة «فتح»
بالذات، بالخروج على التسوية السياسية التي اثبتت فشلها منذ مؤتمر مدريد في العام
1992.
ثالث الخيارات، تهيئة الشعب
الفلسطيني في الداخل لمرحلة جديدة تقوم على النضال بالوسائل كافة، وبينها
الانتفاضات الشعبية وإحياء روحية المقاومة في الضفة الغربية، بعد ان فترت الهمم
نتيجة الرهان على المفاوضات والتسوية السلمية.
رابع هذه الخيارات، إعداد خطة تحرك
نضالية على مختلف المستويات للشعب الفلسطيني في الشتات، لمساندة المقاومة والشعب
الفلسطينيبن في الداخل.
خامس هذه الخيارات، خروج الفلسطينيين
نهائيا من حالة التدخل او الارتهان والاستتباع للأنظمة، والتعاون مع الدول على
قاعدة الاستقلال والمصلحة الفلسطينية العليا، وفي الطليعة دول محور المقاومة قبل
غيرها.
سادس هذه الخيارات، بناء علاقة ثقة
مع مصر وسوريا وإزالة كل الرواسب التي أفرزتها المرحلة السابقة، خصوصا مع حركة
«حماس» التي يقوم على عاتقها الحمل الأكبر في هذا المجال. فمن دون مصر وسوريا لا
يمكن للمقاومة الفلسطينية ان تحقق الغايات المنشودة.
قد تبدو هذه الخيارات طوباوية
ومبالغا فيها في ظل الواقع العربي والدولي الراهن، لكنها ليست مستحيلة بعد ان صنعت
المقاومة في غزة المستحيل، وحققت في الحرب الدائرة منذ نحو أربعة أسابيع ما أدهش
الصديق والعدو على السواء، ولم يعد جائزا للفلسطينيين ان يقفزوا فوق هذه الإنجازات
ويعودوا الى حالة الرهانات الفاشلة على التسويات السلمية.
حرام حرام ان تذهب سدى، التضحيات
التي بذلها الشعب الفلسطيني في غزة خلال الأسابيع الماضية. ومن العار العار ان
يكون ما بعد غزة كما كان قبلها.
المصدر: السفير