القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

ما قصّة جدار عين الحلوة ... وما هي أبعاده؟

ما قصّة جدار عين الحلوة ... وما هي أبعاده؟

بقلم: إبراهيم بيرم

بصرف النظر عن مصير الجدار الذي شرعت الدولة قبيل فترة ببنائه في محيط مخيم عين الحلوة في شرق صيدا، وما اذا كان سيكتمل وفق ما هو مخطط له، أم ان عملية اقامته ستتوقف عند الحدود التي بلغته حاليا، فان السؤال المثار والاكثر اهمية من الجدار نفسه هو: هل ان العقل الذي انتج قرار بنائه هو عقل ينطلق من خلفية عنصرية؟ ام ان ثمة حاجة فعلية من طبيعة امنية وسيادية ابتكرت هذا القرار وشرعت في تنفيذه؟

السؤال ينطلق بطبيعة الحال من "ضراوة" الحملة المضادة التي بدأ الجانب الفلسطيني، على اختلاف ألوان طيفه، بشنّها ضد هذا الجدار وشيطنته الى درجة الربط رمزياً بينه وبين جدار الفصل العنصري الشهير الذي تقيمه اسرائيل منذ اعوام في قلب الضفة الغربية زيادة في قهر الانسان الفلسطيني، ليعطي للقرار بعداً مداناً ينطوي على ظلامة، واستطرادا على فرض مزيد من الحصارات الخانقة وفواصل العزل على الشعب الفلسطيني الذي نامت فوق صدره كل اشكال الظلم والاضطهاد.

في الموازاة ،جاهرت قوى وأقلام تنتمي الى مناخ "الحركة الوطنية" بانضمامها الى هذه الحملة المضادة وسبقت الجهات الفلسطينية في معرض الذم بهذا الجدار من دون الاخذ في الاعتبار الظروف والدواعي التي حدت بلبنان الى اقامته، واضعة اياه احيانا في خانة التامر على القضية وانسانها. وعلى مدى اكثر من عشرة ايام اخذ الموضوع حيزا لا يستهان به من الاهتمام الاعلامي والسياسي الى درجة ان البعض استعاد الى ذاكرته صورة السجال العميق عشية اندلاع الحرب الاهلية في لبنان.

من البديهي استهلالا الاشارة الى ان ما ساعد على"اشتعال" هذا الموضوع اعلاميا امران: الاول عجز السلطة اللبنانية المعنية عن تقديم تبرير مقنع وواضح لهذا القرار، وهل هو فعلا قادر على انجاز هدفه المنشود، والثاني قوة الحملة المضادة للجدار وتوسّل القائمين عليها لغة استدرار العطف وعقدة الذنب تجاه مظلومية الانسان الفلسطيني في اي ارض حل وخصوصاً في مخيمات الشتات والبؤس.

وعليه يبقى السؤال: هل قرار البناء هذا عنصري، وهل هو فعلا بلا فائدة، واستطراداً ما هي أبعاده الحقيقية في هذه المرحلة بالذات؟

بحسب المعطيات المستقاة من اكثر من مصدر، فان القرار متخذ منذ زمن بعيد وقد حصلت المؤسسة العسكرية التي تقدمت بفكرة انشاء الجدار ابان كان العميد علي شحرور يتولى مسؤولية مدير مخابرات الجيش في الجنوب، على غطاء سياسي شارك فيه كل الاطراف، وكان تبريرها له من طبيعة امنية – اجتماعية بحتة تندرج تحت العناوين الآتية:

- ان الجيش يسيطر تماما على مداخل المخيم الثلاثة، ولكن ثمة ثغرة امنية تكمن في ان للمخيم الاكبر في لبنان مداخل فرعية تخرج عن نطاق الرقابة والرصد لاسباب لوجستية، وهي مداخل جانبية تشكل معابر لعناصر واسلحة واعتدة، وهذا من شأنه ان يبدد فعالية الاجراءات العسكرية المتخذة على المداخل الاساسية للمخيم.

- ان الجيش سبق له ان طلب مرارا من الفصائل المعنية تنفيذ اجراءات تحول دون تحويل هذه المداخل الى معابر دائمة يستغلها المطلوبون والمجموعات الارهابية للاستغناء عن الجدار، فكان ردها انها عاجزة عن اداء هذا الدور لكبر مساحة المخيم من جهة وتداخله مع بساتين وحقول لا يمكن رصدها والسيطرة عليها، فضلاً عن عدم رغبتها في التصادم مع هؤلاء.

- الامر صار اكثر الحاحا في الاعوام الثلاثة الماضية ،اي بعد لجوء عناصر ارهابية موصوفة ومطلوبة وعلى صلة بالمنظمات الارهابية الخطرة في داخل المخيم وخارجه، وقابل ذلك ضعف بدأ يتسلل الى داخل فصائل منظمة التحرير، ولاسيما حركة "فتح"، مما رفع منسوب الخوف لدى الدولة من تبدل الحال والمعادلات داخل المخيم لمصلحة الارهاب الذي كان آنذاك في ذروة هجومه وجموحه في اكثر من ساحة مجاورة، وقد نجح في مد رؤوس جسور له داخل بؤر معينة من بينها المخيم الاكبر والخارج عن سلطة الدولة، والذي طالما اشير اليه بانه خزان محتمل لأي هجوم واسع للارهاب بكل مستنسخاته في لبنان.

- لا أحد ينكر ان الفصائل بذلت طوال الاعوام الخمسة الماضية جهودا كبرى لتجنيب تحوّل المخيم قاعدة للصراع مع المحيط ولكبح جماح المتشددين الراغبين في بسط سلطانهم على المخيم واخذ الامرة فيه من الآخرين. لكن ذلك، على اهميته، لم يكن كافيا بالنسبة الى السلطة اللبنانية للقول إن المخيم ومحيطه مناطق مأمونة وآمنة ولا تخبىء مفاجآت امنية.

ومن هذه الابعاد والخلفيات أتت فكرة الحاجة الى الجدار، فضلاً عن رغبة دفينة في منع التمدد العمراني للمخيم لاحقا تحت ذريعة انه ضاق بساكنيه. جوهر فكرة الجدار من اساسها سد المنافذ التي تشكل معابر غير مراقَبة، وهذا يعني ان الجدار صمم خصيصاً لمناطق محددة (اي ليس الاحاطة بكل المخيم وفق ما اشيع) استناداً الى دراسات اعدها الجهاز المتخصص في قيادة الجيش، ولا يمكن بالتالي اعتباره جدار فصل من طبيعة عنصرية.

الى ذلك، فان القرار المتخذ ببنائه ابلغ منذ زمن رسميا الى الفصائل التي وإن أبدى ممثلوها ملاحظات وهواجس من تداعيات وردود فعل سلبية، الا انهم تعاملوا مع القرار كأمر واقع لا بد منه فرضته حسابات الامن والسيادة لدى الدولة واجهزتها المعنية.

هل كان بالامكان تلافي الامر برمته، اي القرار وردود الفعل عليه، على نحو يقي الدولة سهام التشكيك والاتهام التي حاصرتها اخيرا؟

الرد كان سيكون بالايجاب، بحسب مصادر معنية، في ما لو نجح الجانب الفلسطيني في تنفيذ الوعود والتعهدات الامنية التي تصدى لها واخذها على عاتقه. وتنفي المصادر اياها النية العنصرية لاقامة هذا الجدار بدليل ان المؤسسة المعنية باقامة الجدار عادت وابلغت الجانب الفلسطيني استعدادها لتجميد بنائه إن ابدى هذا الجانب جدية وعزما على تنفيذ مهمات امنية من شأنها إبعاد الاخطار التي يمكن ان تأتي من المخيم وتحول دون تحوّله بؤرة تؤوي الارهاب، وفي مقدمها تسليم المطلوبين اللائذين بالمخيم والمعروفين بالاسماء.

وبالطبع هذا الجواب ينطوي على قدر من التشكيك، ولكنه يعطي مجددا الفرصة لحل الاشكالية وردود الفعل عليها. قصة الجدار تختزل قصة انعدام الثقة بين الدولة والمشرفين على المخيم، فهل ثمة فرصة الآن لـ"مشوار" جديد؟

المصدر: النهار