ما لم تستطع السلطة إخفاءه
بقلم: لمى خاطر
هذه المرة كان تبرير أجهزة السلطة لحملتها الأمنية
الواسعة في الضفة أقرب إلى دوافعها الحقيقية من أي وقت مضى، مع أن خطاب ناطقيها اكتنفه
شيء من المراوغة والتضليل كالعادة، أو التلاعب بالمفردات، كمفردة "فوضى"
التي استخدمت بديلًا عن "مقاومة"، غير أن حركة فتح والسلطة أقرّتا هذه المرة
بأن استهداف كوادر حماس في الضفة سببه سعي الأخيرة للتصعيد، أي تصعيد مقاومة الاحتلال،
وهو أمر تراه السلطة ضارًّا بمصالحها ومهددًا لوجودها؛ كونها ما زالت تعتاش على خيرات
تعاونها الأمني مع الاحتلال، وتجبي منه ثمنًا وحماية نظير جهودها في محاربة "الإرهاب".
تذكرنا هذه الحملة التي طالت المئات من عناصر حماس
ما بين اعتقال واستدعاء بحملة الاحتلال عقب عملية أسر المستوطنين الثلاثة في الخليل،
حيث الاستهداف الشامل لجميع مظاهر نشاط حماس، والمساس بجمهور المقاومة وكلّ متعلّقاتها،
مع فارق أن الهدف العقابي كان واضحًا في حالة الاحتلال، أما في حالة السلطة فنجده متواريًا
خلف تلفيق اتهامات عديدة للمعتقلين، لكي توظّف مبررًا يتيح للقضاء احتجاز المعتقلين
المدة التي يرغب بها الجهاز الأمني.
إضافة إلى هذا الهدف العقابي ثمة أهداف أخرى تتوزّع
بين التخويف والترهيب لعناصر حماس، ومحاولات الظفر بطرف خيط يقود لمن يقفون خلف العمليات
الأخيرة التي ما زال الاحتلال عاجزًا عن كشف خيوطها، فتجربة السنوات الفائتة أثبتت
للاحتلال أن السلطة كانت في بعض الأحيان أكثر "كفاءة" منه في رصد عمليات
للمقاومة قبل حدوثها أو الكشف عن خيوطها، ليتولى هو إكمال بقية المهمة من اعتقالات
واغتيالات للخلايا المنفّذة.
وهنا، ومع صراحة ناطقي السلطة في حديثهم عن دوافع
الحملة كان لابد من إقحام غزة في الأمر، واستنكار هدنتها "غير المعقودة أصلًا"
مقابل التصعيد المحتمل في الضفة، الذي تحسب السلطة له حسابات استباقية، على طريقة عبد
الفتاح السيسي في حديثه عن "الإرهاب المحتمل"، واتخاذه مسوّغًا لعمليات قمع
واسعة وهمجية. غير أن هذا المستوى الرخيص من استغفال الجمهور والمراهنة على فساد ذاكرته
لا يجدي معه التفنيد المنطقي لتهافته المتعمّد، ولعل أفضل تعليق عليه كان قول أحد الناشطين
مخاطبًا السلطة في الضفة: "اخطفوا لنا جزءًا من جندي، واعقدوا بعدها هدنة مدة
10 سنوات، وأطلقوا صاروخًا على تل الربيع ثم أعقبوه بهدنة"، بمعنى أن المقارنة
بين واقعي غزة والضفة فاسدة من الأساس، ففي غزة تستثمر كل دقيقة من الهدوء لتطوير وتعزيز
وسائل المقاومة وإمكاناتها، أما في الضفة فإن الهدوء فيها ينتج الهوان والبلادة والوطنية،
ويغري بالتعايش مع وضع الاحتلال، وإجراءاته على الأرض، فضلًا عن أنه هدوء مجاني، ولا
يُستفاد منه في سوى تثبيت تجريم المقاومة وتجفيف منابعها أو ما تبقى منها.
ولذلك إن التفكير الوطني السليم بمشروع المقاومة
بوجه عام ينبغي أن يقود تلقائيًّا إلى فهم ضرورات تعافي المقاومة في ساحة الضفة، الحساسة
والمهمة والمستباحة في آن واحد.
وأعتقد أن حماس بصفتها رائدة الفعل الجهادي المقاوم
في فلسطين توقن أن طريق المقاومة والجهاد ليس مفروشًا بالورود، ولا ينبغي أن يكون كذلك،
وإن استعدادها الدائم لدفع ضريبة خياراتها الجهادية سيظل دليلًا على حيويتها وعدم تحولها
عن نهجها، ولذلك لا قيمة لكل صوت يحاول التبخيس من قيمة العمل المقاوم في الضفة أو
يراه سبيلًا للاستنزاف؛ لأن النزف في سبيل إذكاء روح الجهاد وديمومة مسيرته هو القاعدة
في مسيرة الحركات المقاومة لا الاستثناء، وليس مهمًّا كثيرًا طبيعة الجهة التي تجبي
هذه الضريبة من الأعمار والأرواح، سواء أكانت السلطة أم الاحتلال؛ فهذا لا يغير من
الحقيقة شيئًا، حيث تعلو قيمة التضحية ويهبط رصيد الانسحاب والجمود والحسابات المترددة،
ويظهر الفرق جليًّا بين راعي المقاومة وحامي جدارها، والمتواطئ مع عدوّه على مواجهتها
وتحييدها وإنهاكها، وتغييبها ثقافة وسلوكًا وجمهورًا.
المصدر: فلسطين أون لاين