ما هي حدود الدولة التي يطالب بها الفلسطينيون في الأمم المتحدة؟
بقلم: روبي سايبل*
كتب محللون سياسيون بأنه على الرغم من حقيقة أن خطاب الرئيس عباس في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في أيلول الماضي تضمن هجوما لاذعا على إسرائيل، إلا أن الخطاب تضمن أيضا تنازلاً تاريخياً عن التطلعات الإقليمية الفلسطينية لمناطق خلف حدود الرابع من حزيران 1967.
أشار محمود عباس في خطابه بالفعل إلى أن طلب منح مكانة عضو في الأمم المتحدة جاء "على أساس حدود 4 حزيران 67، مع القدس عاصمة للدولة المستقبلية". وحظي هذا القول بالتعزيز عندما أضاف عباس ان "هدف الشعب الفلسطيني هو تحقيق حقوقه الوطنية، غير القابلة للجدال في دولته المستقلة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، التي تقوم على كل أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967. وأضيف إلى هذه الصيغة ملحق طالب "بتحقيق حل عادل ومتفق عليه لمسألة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار 194، كما صيغ الأمر في مبادرة السلام العربية".
خلافاً للخطاب، فان الطلب الذي رفعه الفلسطينيون عمليا يبدأ بإعلان يقول إن طلب الحصول على مكانة عضو يستند إلى وثيقتين، "قرار رقم 181 للجمعية العمومية في الأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947، وكذا إلى إعلان استقلال دولة فلسطين في تاريخ 15 تشرين الثاني 1988". الطلب الذي رفع إلى مؤسسات الأمم المتحدة لقبول فلسطين عضوا لا يتناول على الإطلاق خطوط 67 أو حدود الدولة الفلسطينية. في الرسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والتي أرفقت كملحق للطلب، كتب محمود عباس بأن "الأغلبية الساحقة من الأسرة الدولية أعربت عن تأييدها لحقوقنا غير القابلة للجدال كشعب، وبالأساس في الدولة، من خلال منحها اعترافا متبادلا بدولة فلسطينية على أساس حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية". وبتعبير آخر، فان الرسالة تشير إلى أن الأسرة الدولية تؤيد مبدأ خطوط 67، ولكنها مرة أخرى لا تشير ما الذي يراه الفلسطينيون أنفسهم كحدود لهم. ومثلما في الخطاب، تشير الرسالة إلى أن الطلب لنيل العضوية يأتي وفقا لحقوق اللاجئين الفلسطينيين حسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك القرار 194.
من الجانب القانوني، ليس الفلسطينيون ملزمين بأن يشيروا في هذا الطلب للاعتراف بفلسطين كعضو في منظمة الأمم المتحدة إلى ما يعتبرونه حدوداً لهم. ومع ذلك، فان الوثيقتين اللتين يتطرقون إليهما في طلبهم، أي قرار 181 (مشروع التقسيم من العام 1947) وإعلان الاستقلال الفلسطيني من العام 1988 ليس لهما أية صلة بحدود 1967. إعلان 1988 صيغ بغموض مقصود في كل ما يتعلق بالحدود، في ظل إشارته إلى "إقامة دولة فلسطين على أراضينا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف". مشروع التقسيم للعام 1947 أوصى بحدود، منحت ضمن أمور أخرى، كل الجليل وبئر السبع تقريبا للدولة العربية المقترحة وأخرجت القدس سواء من الدولة العربية أم من الدولة اليهودية. مشروع التقسيم في العام 1947 رفضه في حينه الفلسطينيون وعموم الدول العربية. وبالتالي فان حقيقة أن هاتين الوثيقتين هما الوثيقتان الوحيدتان اللتان يتطرق إليهما الطلب الفلسطيني الموجه إلى الأمم المتحدة في العام 2011، هي اختيار غير ناجح، إضافة إلى كونها حقيقة تتحدى الرأي السائد والذي بموجبه تنازل الفلسطينيون بشكل رسمي عن كل مطالبة بالأراضي من الفترة التي سبقت شهر حزيران 1967. إضافة إلى ذلك فان إعلان العام 1988 أشار بشكل صريح إلى أن "دولة فلسطين هي دولة عربية، جزء لا يتجزأ وغير قابل للانفصام عن الأمة العربية". في ضوء هذا التصريح الفلسطيني، تصبح المسائل المتعلقة برفض الفلسطينيين العنيد الاعتراف بإسرائيل بأنها الوطن القومي للشعب اليهودي، حادة على نحو خاص.
المسألة المهمة الأخرى التي تُفهم من الطلب الفلسطيني نيل الاعتراف بدولة هي المطالبة بأنه إضافة إلى الدولة الفلسطينية يجب أن يتوفر حل لمشكلة اللاجئين العرب "وفقا لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194". هذا القرار الصادر عن الأمم المتحدة أوصى بأن "يُسمح للاجئين، المعنيين بالعودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، عمل ذلك في أقرب وقت ممكن يكون فيه الأمر قابلا للتنفيذ". ويعتقد الموقف الفلسطيني بأن تعبير اللاجئ ينطبق على أنسال اللاجئين، وبالتالي فانه يوجد الآن نحو 5 ملايين لاجئ فلسطيني. وأشار الفلسطينيون في الوقت ذاته إلى أنهم لا يتوقعون من إسرائيل أن تستوعب عمليا 5 ملايين عربي فلسطيني وأنهم مستعدون لإجراء مفاوضات على تطبيق هذه المسألة. ومع ذلك، فإنهم يواصلون الطلب بأن تقبل إسرائيل مبدأ قرار الأمم المتحدة 194 وأن توافق على إدارة المفاوضات حسب هذا القرار. يبدو أنه في صيغة طلبهم من الأمم المتحدة يشددون على ذلك كشرط لازب.
رغم أن النص يقيد ظاهرا المطالب الإقليمية الفلسطينية بحدود العام 1967، إلا أن مراجعة أكثر تدقيقا له تُبين أن التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف بدولة ينطوي على شروط ومطالب من شأنها أن تطرح مصاعب جمة في كل مفاوضات مستقبلية. في خطابه أمام الجمعية العمومية ذكر الرئيس محمود عباس مواضيع "القدس، اللاجئين الفلسطينيين، المستوطنات، الحدود، الأمن والمياه" التي يجب إجراء مفاوضات حولها بين الطرفين. هذه المسائل يمكنها أن تسوى فقط بالمفاوضات، أما ورفع الطلب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، بعناصره المقلقة، فلا يوشك على أن يجعل هذه المسيرة أكثر تبسيطا.
*محاضر في القانون الدولي في الجامعة العبرية - القدس.
المصدر: صحيفة الأيام