القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

محنة اللجوء الثاني للفلسطينيين اللاجئين في سورية

محنة اللجوء الثاني للفلسطينيين اللاجئين في سورية

بقلم: عامر راشد

يصرخ رسام الكاريكاتير الفلسطيني الصديق هاني عباس "في النتيجة الفكرة داخل الوطن.. طعم للحرية ولا لأي شي خارج الوطن"، ملخصاً المعاناة المضاعفة والمركبة للاجئين الفلسطينيين في مخيمات سورية، الذين أجبرتهم الأزمة السورية على النزوح عن مخيماتهم، ليكتووا مرة أخرى بجحيم أن يكون الإنسان لاجئاً يصارع من أجل البقاء وحقه في الانتماء إلى وطن وحمل هويته.

ولدت ثلاثة أجيال من الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، لم ير أبناؤها وطن آبائهم وأجدادهم فلسطين، لكنهم ما برحوا يتشبثون بهويتهم الفلسطينية وانتمائهم لفلسطين، فكانت بلدان اللجوء وطناً ثانياً لهم لم يكن ليعوضهم عن وطنهم الأم، إنما كانوا يكتشفون فيه كل صباح ومساء معنى أن تكون لاجئاً في عين الانتماء إلى الوطن الثاني.

وفي محنة اللجوء الثاني لأبناء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية كانت مأساتهم مضاعفة، بتشريدهم من مخيماتهم عنوة، وبما يلاقون من إجراءات تمييزية بحقهم في دول الجوار لا تساويهم بإخوتهم النازحين السوريين ولو بالحدود الدنيا، رغم ما يكابده النازحون السوريون من إهمال وسوء معاملة ومس بكرامتهم الإنسانية، في الأردن ولبنان والعراق وتركيا، تخللتها وللأسف حملات كراهية وعنصرية شاركت فيها شخصيات رسمية، كانت نافرة في لبنان البلد الأقرب إلى سورية.

وثالثة الأثافي في مأساة اللاجئين الفلسطينيين في سورية أنهم وُضعوا ومنذ بداية الأزمة السورية في دائرة الاتهام من قبل طرفي الأزمة، اللذين تعاملا مع اللاجئ الفلسطيني باعتباره "متهما بالانحياز للطرف الآخر حتى تثبت براءته"، فقد كيلت اتهامات للاجئين الفلسطينيين في بداية الأحداث بأنهم كانوا المشعلين لها في مدينتي درعا واللاذقية، ولم يمنع ذلك لاحقاً من أن تكال لهم اتهامات من جهات معارضة بالوقوف إلى جانب النظام، تم التراجع عنها لاحقاً.

بينما تقاعست منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المنضوية فيها وتلك التي خارج إطارها في الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وتمكينهم من النأي بمخيماتهم عن الأزمة والوقوف على الحياد، حتى لا يكونوا محل اتهامات لا طاقة لهم عليها، وفي ذاكرتهم الجمعية ما حلَّ بإخوتهم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والعراق.

وكرد فعل طبيعي على تقاعس الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين تعززت في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وفي دول لجوء الفلسطينيين عامة، قناعة بضرورة البحث عن أطر تمثيلية وقيادية تسد فراغ تراجع دور مؤسسات منظمة التحرير والقوى والفصائل الفلسطينية، الذي بدأ عملياً منذ اتفاقيات أوسلو 1993، مع الانسحاب التدريجي لمؤسسات المنظمة والقوى والفصائل إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وترحيل حق عودة اللاجئين إلى المفاوضات متعددة الأطراف، والمجاهرة بقابلية الفريق الفلسطيني المفاوض للمساومة على هذا الحق.

وإذا كان اللاجئون الفلسطينيون يعيدون في جحيم الأزمة السورية اكتشاف معاناة الآباء والأجداد، في رحلة مستدامة للبحث عن انتماء لوطن والتمتع بهوية وطنية، فإنهم يدافعون عن مكان لجوئهم كوطن ثان، تمسكهم به بأصالة تمسكهم بحق العودة. وعليه لا غرابة في أن يزاوجوا بين عودتهم إلى مخيماتهم في سورية وبين حق عودتهم المنصوص عليها في القرار الدولي 194، وأن ينظروا إلى تهجيرهم من مناطق لجوئهم كحلقة من حلقات إسقاط القرار الدولي المذكور.

ويلفت ناشطون في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين إلى ما رافق الأحداث التي حلَّت بالمخيمات من تراجع الحقوق التي اكتسبها أبناؤها في القوانين والتشريعات السورية وساوتهم بإخوتهم المواطنين السورين باستثناء ممارسة حق الترشح والانتحاب، لاسيما القانون رقم "260" الصادر بتاريخ 10 تموز/يوليو عام 1956، من حيث حقوق العمل والتجارة والتعليم والسكن والرعاية الاجتماعية والصحية والتنقل والسفر.. الخ. وهو ما سهل اندماجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية السورية.

ففي أول سابقة من نوعها أصدرت وزارة التربية السورية في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2012 قراراً إجرائياً يحرم اللاجئين الفلسطينيين من التوظيف في ملاك الوزارة، وتبعه قرار صادر عن وزارة التعليم العالي، 13 كانون الثاني/يناير 2013، يحرم الطلاب الفلسطينيين من البعثات العلمية على حساب الوزارة، علماً بأن كل القوانين المعمول بها في سورية كانت تنص على مساواة اللاجئين الفلسطينيين بالسوريين بكونهم يندرجون تحت عبارة "السوريين ومن في حكمهم".

وفي إطار التفاعلات السورية لإجراءات وزارتي التربية والتعليم العالي، تقدمت "جماعة الإخوان المسلمين" في سورية بورقة تحت عنوان "توثيق العهد مع الأشقاء الفلسطينيين على الأرض السورية"، بتاريخ 16 آذار/مارس 2013، أكدت على أن "الشعب الفلسطيني في سورية جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري، له ما للمواطن السوري وعليه ما عليه، مع الحفاظ على الخصوصية الفلسطينية المنسجمة مع مشروعه الوطني"، وأن "المخيمات الفلسطينية في سورية، جغرافيا سورية ورمزية تاريخية فلسطينية، تعكس طبيعة التلاحم بين الشعبين الشقيقين. وأن رعاية شؤون الفلسطينيين في سورية يكون بحسب ما تنص عليه الأنظمة والقوانين، ووفقاً لمتطلبات الحياة الديمقراطية الواعدة التي ينشدها عموم سكان سورية".

وأعادت الورقة التأكيد على أن "أساس العلاقة الفلسطينية - السورية داخل المجتمع السوري تستند إلى القانون 260 لعام 1956، الذي يعطي اللاجئ الفلسطيني كافة الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطن السوري، وفق ما نصت عليه الأنظمة والقوانين. والالتزام بكل التسهيلات القانونية للاجئين الفلسطينيين خلال الفترة الماضية، والتعهد بإصدار كل ما من شأنه دمجهم في الحياة العامة السورية، وبما يحفظ لهم حقوقهم الوطنية الثابتة وعلى رأسها حق العودة. الالتزام بحل مشكلة آلاف الفلسطينيين في سورية من فاقدي الأوراق الثبوتية، والمحرومين من أبسط حقوق الحياة الكريمة في العمل والتنقل وما شابه ذلك".

وعلى أهمية الورقة باتجاه الالتزام بعدم المس بالحقوق المكتسبة للاجئين الفلسطينيين في سورية، إلا أن أبناء المخيمات يشعرون بأن بعض الأطراف السياسية السورية لم تعد تسلم بهذه الحقوق، وقد يتطلب ذلك تحركات شعبية فلسطينية مسنودة سورياً وعربياً ودولياً، تبدأ بمطلب عودة اللاجئين إلى مخيماتهم في سورية وطنهم الثاني، والدفاع عن حقوقهم في العيش الكريم، كي لا تغلق أبواب العودة إلى وطنهم الأول بترحيلهم في شكل قسري إلى بلدان لجوء أخرى.