مخاوف الكنيسة المارونية من التوطين تتلاقى مع الوقائع الميدانية
أنطوان الحايك
في وقت بدا فيه أنّ ملف التوطين بدأ يشكل هاجسا لبنانيا عموما، ومسيحيا خصوصا، يتوجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الامم المتحدة مثقلا بخلافات فلسطينية – فلسطينية طلبا للاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الامم المتحدة التي تعقد جلساتها برئاسة لبنان.
ويأتي كلام البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي الاخير حول ضرورة اعادة كل شبر من الارض اللبنانية من جهة ودعوته لتطبيق القرارات الدولية بما فيها القرار 194 الصادر عام 1948 من جهة ليعزز الخشية البطريريكة من مجمل الملف الفلسطيني، وذلك في ظل بوادر مقلقة اولا واستنادا إلى ما سمعه الراعي من المسؤولين الفرنسيين خلال زيارته الاخيرة إلى باريس، فالتوطين قد يصبح واقعا ملموسا خصوصا إذا ما تمّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية، نظرا إلى ما سيحمله هذا الاعتراف من مخاطر حقيقية على فلسطينيي الشتات الذين ينتظرون تكريس حق العودة وليس العكس، لا سيما ان استئناف المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية سيحمل اوجها مختلفة في حال كان بين دولتين منضويتين إلى الامم المتحدة.
وفي هذا السياق يعرب مصدر لبناني رفيع المستوى عن خشيته من تداعيات الاعتراف بالدولة الفلسطينية على لبنان، فبمجرد حصوله تصبح دولة فلسطين واقعا يفرض نفسه على العالمين العربي والاسلامي. وبالتالي فان الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة وليس ككيان سيرتب على لبنان تمثيلا دبلوماسيا يرقى إلى السفارات المتبادلة، كما انه سيدفع بالدولة الفلسطينية إلى اصدار جوازات سفر رسمية معترف بها دوليا، وهذا التدبير سيسقط صفة اللاجئين عن فلسطينيي الشتات، ويعطيهم صفة الرعايا العرب، وبالتالي تصبح الدول المضيفة ملزمة على معاملتهم كرعايا عرب، فضلا عن التزامها تطبيق القوانين المحلية المعمول بها بالنسبة للرعايا العرب.
ويوضح المصدر أنّ لبنان سيجد ملزما بمعاملة الفلسطينيين اسوة بسائر الرعايا العرب ما سيعطيهم حق الحصول على اقامات واجازات عمل، كما حق التعليم والاقامة والسكن، وتاليا حق التملك، وهذا يعني بشكل او بآخر دخول التوطين حيز التنفيذ من باب تطبيق قوانين الامم المتحدة التي ترعى حق الرعايا في دول اقامتهم.
غير ان مصدرا فلسطينيا معارضا يعرب عن اعتقاده بان خطوة عباس تأتي ناقصة بالكامل في ظل انقسام عربي وتشرذم اسلامي لافت، ناهيك عن معارضة فلسطينية تأتي من ابرز الحركات المعارضة اي حركة حماس التي تعتبر ان اي خطوة من هذا النوع ستأتي على حساب التضامن الفلسطيني اولا وحق العودة ثانيا، فالمفاوضات التي طالما خاضها عباس لم تتطرق يوما إلى القرار 194، بل على العكس تماما فان كل الطروحات الموضوعة على الطاولة تتحدث عن تعويضات مالية في مقابل التنازل عن الحقوق المشروعة بحسب التعبير.
المتصلون بالعاصمة الاميركية من الذين يحضرون لزيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى نيويورك يكشفون ان الاجواء غير مشجعة على الاطلاق. فالادارة الاميركية منشغلة بملفات كثيرة وهي تفوق اهمية تلك التي يحملها عباس، فضلا عن ان موقف واشنطن يتلاقى بالكامل مع الموقف الاسرائيلي الرافض الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل توضيح امور كثيرة على غرار الحدود الفلسطينية، وشكل الحكم ومصير فلسطينيي الشتات خصوصا ان تل ابيب ترفض رفضا قاطعا التطرق إلى ملف العودة لا من قريب ولا من بعيد، وذلك في ظل موقف اسرائيلي نهائي رافض لعودة اي فلسطيني مهما كانت الاسباب والمسببات.
المصدر: النشرة